شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السابعة عشر* 

 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ ، وَيَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ ، وَيُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ، وَيُمِيتُ الْأَحْياءَ ، وَيُحْيِي الْمَوْتىٰ ، وَهُوَ حَيٌّ لَايَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.    

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ ، وَيَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ ، وَيُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ. 

خلق الله الإنسان وشرفه على جميع المخلوقات وأعطاه العقل وقال تعالى للعقل بك أثيب وبك أعاقب فكانت دائرة المعرفة هي العقل وتمييزه عن سائر الخلق حتى ابليس الذي عارض السجود لآدم فكان ملعون إلى يوم الدين لمخالفته للأمر الإلهي.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إن الله عز وجل خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه التي لم يطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب .

فكل عمل وحركة من الإنسان محفوفة بالقبول أو الرفض في الطاعة لله، هذا الإنسان العارف أن الله الخالق والرازق وهو الذي يطعم، لكن الذي جعل عقله هواه وجعل لله شركاء في رزق والخلق والإطعام، بعث الله إليهم رسله قد يرشدوهم إلى الحق  فأبوا ذلك، فنبي الله ابراهيم عليه السلام ذكره الله في تبيان ما وصل إليه العقل الفاسد في عبادة الأصنام، فكسر أصنامهم، وذلك قوله تعالى في كتابه المبين في سورة الأنبياء: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}،فكان جواب النبي لهم كما ذكره الله في كتابه الكريم: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}.

الحالة التي أوصلهم إليها هذا النبي الكريم جعلهم في ذهول.

وكما حصل مع الأنبياء عليهم السلام في تبيان حقيقة الخالق أنه هو الرازق وهو المطعم، إلى نبينا الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، حيث بين  فرق الناس عن ضلالتهم، لأنهم _أي عرب الجاهليّة_ قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وآله طوقَ عبوديّة الشيطان، وكانوا يتسابقون في القتل والغارة على بعضهم البعض، ويفتخرون بوأد بناتهم، بل تفاخروا بكثرة أمواتهم في قبورهم. 

وكان الشيطان يزيّن لهم تلك الأعمال المنكرة، ويكبل عقولهم بأحابيله، ويضلّهم بتضليله، ويحجب عن فطرتهم ـ بوساوسه ومكره ـ تلألئها وصفاءها ونصاعتها، كي لا تدعوهم ـ إذا غدت صافية خالصة ـ إلى عبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له ولا وزير.

ووصفهم أمير المؤمنين عليه السلام قال: وأنتم ـ معشرَ العرب ـ على شرِّ دِين، وفي شرّ دار، مُنيخون بين حجارةٍ خُشنٍ، وحيّاتٍ صُمّ، تَشربون الكَدِرَ، وتأكُلون الجَشِب، وتَسفِكون دماءكم، وتَقطعون أرحامَكم؛ الأصنامُ فيكم منصوبة، والآثامُ بكم مَعصوبة.

وقد ذكر التاريخ أنهم كانوا يصنعون من كل شئ إله، ويعبدونه من دون الله حتى بعضهم قد صنع إله من تمر ثم أكله، لأن هذه المنكرات لا تعطيهم الحقيقة في العبودية.

ينقل عن الحافظ ابن حجر في الفتح عن القرطبي قوله ” إن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة (تمر) ثم جاع فأكله.

هذه الحالة بعدم التوصل إلى معرفة الله جعلت عقولهم الفاسدة تتبع الشيطان في الكفر، والله أراد لخلقه التميز بفطرتهم الأولى بالعبودية الحقة فقال عز من قال في كتابه المبين في سورة الجمعة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

روي عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قَالَ: خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ الله جَلَّ ذِكْرُهُ مَا خَلَقَ الْعِبَادَ إِلَّا لِيَعْرِفُوهُ، فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَإِذَا عَبَدُوهُ اسْتَغْنَوْا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَنْ سِوَاهُ.

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ الله بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي فَمَا مَعْرِفَةُ الله؟

قَالَ: مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ إِمَامَهُمُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُه. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَيُمِيتُ الْأَحْياءَ ، وَيُحْيِي الْمَوْتىٰ ، وَهُوَ حَيٌّ لَايَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الملك:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.

وقال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الفرقان: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}.

قهر الله عباده بالموت والفناء وهذه من الدلالة الواضحة على قدرة الله في خلقه، وضرب الأمثال في كتابه العزيز عن أقوام تحدوا الله في الموت كقوم النبي نوح ونبي الله صالح فمنهم من أغرقهم ومنهم بالصيحة كما في قول الله تعالى في سورة هود:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.

جعل الله حتى من الموت حكمة منه ورأفة لعباده، وليس الموت هو غضب منه ولكن مرة يكون لتبيان قدرته لنصرة أنبيائه، ولكن الموت رحمة للناس وقد عرفنا أهل البيت عليهم السلام ذلك، روي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ الإمام أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام  :‏ إِنَّ قَوْماً أَتَوْا نَبِيّاً لَهُمْ، فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ‏ يَرْفَعْ عَنَّا الْمَوْتَ،‏ فَدَعَا لَهُمْ فَرَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُمُ الْمَوْتَ‏، وَكَثُرُوا حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ، وَكَثُرَ النَّسْلُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُصْبِحُ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُطْعِمَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَجَدَّهُ وَجَدَّ جَدِّهِ، وَيُوَضِّيَهُمْ،‏ وَيَتَعَاهَدَهُمْ فَشُغِلُوا عَنْ طَلَبِ الْمَعَاشِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى آجَالِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا، فَسَأَلَ رَبَّهُ فَرَدَّهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ.

سأل أحد الأنبياء الله قال: يارب كيف تحيي وتميت؟!، قال الله عز وجل: أولم تؤمن، قال: بلى.

وذلك قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. 

قدرة الله لا حد لها في المفهوم عند المؤمن لأنه عز وجل من أسمائه القادر، التي ندعوه بها، فقال تعالى في سورة فاطر: { وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنّه كان عليماً قديراً }.

وروي عندما سُئل الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال (عليه السلام) : “لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة.

لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك.

وإذا قلت: خلق الأشياء بغير قدرة، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلي غيره، بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة.

ونحن في أيام هذا الشهر الفضيل التي تسرع بالذهاب عنا نسأل الله بالقدرة والخير كله الذي لا يعلمه إلا هو أن يجعلنا من المغفورة ذنوبهم والمكفر عنهم سيئاتهم.

فنرفع أكفنا بالدعاء لله الذي ضمن لنا الإجابة أن يعجل فرج مولانا المهدي المنتظر، روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة، لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *