شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الواحدة و العشرون* 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللّٰهُمَّ وَصَلِّ عَلَىٰ وَليِّ أَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ، وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَا رَبَّ الْعالَمِينَ. اللّٰهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلىٰ كِتابِكَ ، وَالْقائِمَ بِدِينِكَ ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً يَعْبُدُكَ لَايُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: { بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.

أراد الله تبارك وتعالى بالمؤمنين عبادته وتصديق أولياءه بكل ماينزل من عنده والتسليم به فجعل خلفاء ورسل مبشرين ومنذرين ومتوعدين المشركين بعذاب الله، وآل بيت النبوة أولوا أمر قيام دولتهم في آخر الزمان وبشروا ووعدوا الذين آمنوا بنصر الله ونشر معالم الدين الحنيف، أما غير ذلك فيحتاج إلى قرائن كثيرة لتدل على مدعى المدعي لخلافهم. 

روي عن ابي بصير قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: في قول الله عز وجل: ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام فاذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله (العظيم) ولا مشرك بالإمامة الا كره خروجه حتى (أن) لو كان كافرا (او مشركا) في بطن صخرة (لـ) قالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله. 

فالدعوة السماوية للنبي صلى الله عليه وآله حددت بالنص عدد الخلفاء للإسلام وشددت في دعواها على الالتزام التام بهم وعدم التخلف عنهم، وقال تعالى في كثير من الآيات يتوعد فيها المخالفين لأمره وأمر رسوله. 

روي في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال بعد أن حمد الله واثنى عليه: ” أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله واولى القول كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، واشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عزايمها وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدى الأنبياء. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

البنية الصحيحة للمؤمن هو الاعتقاد والثبات على ولاية أهل البيت النبوة عليهم السلام والتسليم لهم وانتظار أمر الله ونحن في هذا الشهر الكريم الذي وعدنا الله فيه بظهور امام العصر المهدي عجل الله فرجه، بما ورد عنهم عليهم السلام.

روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: ( إذا اختلف بنو فلان فيما بينهم ، فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان ، فإذا اختلفوا ، فتوقعوا الصيحة في شهر رمضان ، وخروج القائم ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنوا فلان فيما بينهم ، فإذا كان ، طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة وخرج السفياني ، و قال لابد لبني فلان من أن يملكوا فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم وتشتت أمرهم. 

الشوق الذي يملأ قلوب شيعة أهل البيت من انتظار الفرج ورؤية امام الزمان تكاد تخرج أرواحهم إليه، فهو القائل عجل الله فرج الشريف: لو علم شيعتي شدة حبي لهم لماتوا شوقا إلي، ونحن نموت مولاي لتلك طلعة المكرمة، التي يحدثنا بها المفضل بن عمر عن  الإمام الصادق(عليه السلام)  قال : يا مفضل يسند القائم ظهره إلى الحرم و يمد يده فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)  فيكون أول من يقبل يده جبرائيل ، ثم يبايعه و تبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ، و يصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة ، وما هذا الخلق الذي معه وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلهاو يكون هذا قبيل طلوع الشمس. 

كل ما يكون في عصرنا من أمور الترف والبذخ وغيره مما غفلت الناس به ويتناسون ما يريده منهم أهل البيت عليهم السلام من حقيقة الإخلاص في عبوديتهم، لنكون من الذين فازوا بما أرادوا من سرعة لقاء حجة الله ليبايعونه ولكن ليس كما يريدون بل كما أراد أهل البيت عليهم السلام.

روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنه يأخذ البيعة عن أصحابه على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ، ولا يسبوا مسلماً ، ولا يقتلوا محرماً ، ولا يهتكوا حريماً محرماً ، ولا يهجموا منزلاً ، ولا يضربوا أحداً إلا بالحق ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضة ولا براً ولا شعيراً ، ولا يأكلوا مال اليتيم ، ولا يشهدوا بما لا يعلمون ، ولا يخربوا مسجداً ، ولا يشربوا مسكراً ، ولا يلبسوا الخزّ ولا الحرير ، ولا يتمنطقوا بالذهب ، ولا يقطعوا طريقاً ، ولا يخيفوا سبيلاً ، ولا يفسقوا بغلام ، ولا يحبسوا طعاماً من بّر أو شعير ، ويرضون بالقليل ، ويشتمون على الطيب ، ويكرهون النجاسة ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويلبسون الخشن من الثياب ، ويتوسدون التراب على الخدود ، ويجاهدون في الله حق جهاده ، ويشترط على نفسه لهم ، أن يمشي حيث يمشون ويلبس كما يلبسون ، ويركب كما يركبون ، ويكون من حيث يريدون ، ويرضى بالقليل ، و يملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً ، يعبد الله حق عبادته ، ولا يتخذ حاجبــاً ولا بواباً). 

ونحن في يوم شهادة أمير المؤمنين عليه السلام لك العزاء يا صاحب الزمان من مصاب ما أجله وأعظمه، مولاي عيالك أيتام ترتقب اللقاء فنرفع أكفنا بالدعاء لله بحق أمير المؤمنين عليه السلام عجل لنا الفرج يارب، وكثر البكاء في مثل هذا اليوم في البيت العلوي.

روي عن محمّد بن الحنفيّة: بتنا ليلة العشرين من شهر رمضان عند أبي، وقد نزل السّمّ في بدنه, وكان يصلّي تلك اللّيلة من جلوس، فلم يزل يوصينا بوصاياه، ويعزّينا بنفسه، فلمّا أصبحنا، استأذن النّاس عليه، فأذن لهم -إذناً عامّاً- فدخلوا عليه، وجعلوا يسلّمون عليه وهو يردّ عليه السلام، وهو يقول: اسألوني قبل أن تفقدوني، وخفّفوا سؤالكم، قال: فبكى النّاس عند ذلك، وأشفقوا أن يسألوه.

قال: وجمع أبي أهل بيته وأولاده، ونحن ننظر إليه، وإلى بدنه، ورجليه وقد احمرّتا، فكبر ذلك علينا، ثمّ عرضنا عليه الأكل، فأبى أن يأكل، وجبينه يرشح عرقاً، وهو يمسح جبينه، فقلت: يا أبتاه، أراك تمسح جبينك؟! فقال: يا بنيّ, إنّ المؤمن إذا نزل به الموت، عرق جبينه، وسكن أنينه، ثمّ جمع عياله، وهو يقول: أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم. ثمّ أوصى الحسن والحسين، فقال: يا أبا محمّد، ويا أبا عبد الله، كأنّي بكما وقد خرجت عليكم الفتن، كقطع اللّيل المظلم من ها هنا وها هنا، فاصبرا حتّى يحكم الله، وهو خير الحاكمين، ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أنت شهيد هذه الأمّة، فعليك بتقوى الله، والصّبر على البليّة. ودار عينه في أهل بيته كلّهم، فقال: أستودعكم الله، الله خليفتي عليكم، وكفى بالله خليفة، ثمّ قال: ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ ﴿إنّ الله مع الّذين اتّقوا، والّذين هم محسنون﴾ ، ثمّ استقبل القبلة، وغمّض عينيه، ومدّ يديه ورجليه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه شهيدا مظلوما.

أي وا إماماه وا عليّاه.

فعند ذلك خرجت زينب وأمّ كلثوم وجميع نسائه، وشققن الجيوب، ولطمن الخدود، فأقبل النّاس يهرعون أفواجاً، وصرخوا صرخة عظيمة، وارتّجت الأرض، وارتفع البكاء والنّحيب، وكان كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكثرت الأصوات من الآفاق… وسمعنا هاتفاً يقول: 

بِنَفْسِي وَأَهْلِي ثُمَّ مَالِي وَأُسْرَتِي            

فِدَاءٌ لِمَنْ أَضْحَى قَتِيلَ ابْنِ مُلْجَمِ.

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين عليه السلام.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *