اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ


بسم الله الرحمن الرحيم
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

يهل علينا بحمد الله هذا الشهر الكريم ونحن في عافية ونعمة من الله، فنقول كما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَ جَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ لِنَكُونَ لِإِحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَ لِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ.
يتمحور البحث في أدعية الآيات حول التفسير المنقول والمعقول ومن الله التوفيق.
هذه الآية المباركة وردت في سورة الفاتحة التي هي أم الكتاب ،والسبع المثاني، وسميت هذه السورة بالعظيمة أيضاً لأن العبد لا تصح صلاته إلا بها.
في هذه الآية المباركة في قوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}،
هناك اعتماد ومنهج سار عليه المفسرون في مجال البحث على طريقين: نظري مفاهيمي، ومصداقي تشخيصي، فالمنهج النظري المفاهيمي هو معرفة الخصائص القرآنية لذلك الطريق القويم، وأما المصداقي التشخيصي هو رصد الشخصيات والرجال الذين سلكوا هذا الطريق وبيان خصائصهم.
و المقصود يبينه صادق العترة عليه السلام ،فيما روي عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصراط؟ فقال عليه السلام: هو الطريق إلى معرفة الله عزوجل ، وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. وأما الصراط الذي في الدنيا فهو الامام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم.
وبهذا التقسيم تبين الآيات صراط الدنيا و هو الاستقامة والاستواء الحقيقي كقوله تعالى في سورة آل عمران: {وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقول الله عز وجل مخاطبا النبي صلى الله عليه وآله في سورة المؤمنون : {وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} فتكون الهداية إلى الصراط هي معرفة الإمام المفروض طاعته واتباع سبل الله، وعدم اتباع سبل أخرى ملتوية مضللة، وذلك قول الشيطان الرجيم متوعداً، كما جاء في سورة الأعراف: { قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }.

طريق الصراط الدنيوي متعلق بالأخروي لأن الشيطان سيضل، ويجري مجرى الدم بابن ادم، ويضلهم عن ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، كما جاء في تفسير البرهان ما روي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: الصراط الذي قال إبليس {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثم لآتينهم من بين أيديهم} الآية وهو علي عليه السلام.

إن التمسك بالحق والالتزام بالموقف التوحيدي الراسخ يتطلب البراءة والرفض لكل مطاع من دون الله، والالتزام برسله وأولياءه، لأن المشي في الطريق الضيق شديد الضيق حادّ بارز الحدة، كأنما هو نصلة سيف، يروى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، فمنهم من يمر عليه ماشياً، ومنهم من يمر عليه حبواً، ومنهم من يمر عليه متعلقا، فتأخذ النار منه شيئاً وتترك منه شيئا، فهذا الطريق بينه لنا أئمتنا عليهم السلام وأنه محفوف بالمكاره وبأن القابضين على دينهم كالقابضين على الجمر.
السعي الإنساني على الصراط ينبغي أن يكون سعياً موسوماً بالإقبال والإخلاص ، والسلوك فيه سلوكا التمسك بالدين الحنيف والحقائق الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام، فتكون بصيرة المتمسكين عالية مترابطة مع ما أرادوه من الإذعان للأمر الصادر منهم ليصل بهم إلى صراط الإيمان بعيدا عن النفاق، لأنهم سيمرون في الآخرة عليه فيصفه لنا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قال: الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف.
وأن مزية اصحاب الصراط المستقيم على غيرهم انما هو بالعلم، لأن الذي يصعد إلى الله تعالى هو الكلم الطيب وذلك قوله تعالى:{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} .

فيتبن أنّه كما أنّ الصراط المستقيم مهيمنٌ على جميع السبل الموصلة الى العلم ، فكذلك اصحابه الّذين مكنّهم الله تعالى فيه وتولّى أمرهم وولّاهم أمر هداية عباده حيث قال:( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء – ٦٩. وقال تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة – ٥٥. والآية نازلة في أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام بالأخبار المتواترة وهوعليه‌ السلام اوّل فاتحٍ لهذا الباب من الاُمّة.
روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: إنّ الناسَ أخَذُوا يَمينا و شِمالاً، و إنّا و شيعَتُنا هُدِينا الصِّراطَ المُستَقيمَ.
وقد وردّ في كتب بعضهم كالشيخ السعدي في تفسيره معنى الآية: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط. فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.

ونحن في أول أيام هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك نتمسك بالصراط المستقيم التي ندعوا الله أن يثبتنا عليها ويجعلنا ممن شملهم قول النبي صلى الله عليه وآله: في قوله عَزّوجلّ: ( اهدنا الصراط المستقيم) دين الله الذي نزل به جبرئيل( عليه السلام) على محمد( صلى الله عليه وآله)،( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين) قال شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن ابي طالب( عليه السلام) لم تغضب عليهم ولم يضلّوا.
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *