رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الحلقة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
أن الله تعالى يخبرنا في هذه الآية الكريمة عن دعاء المؤمنين الذين جمعوا في الدعاء بين طلب الدنيا والآخرة.
وجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا، وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة مطيعة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ولا منافاة بينها، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا.
أما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة، والأمن يوم الفزع الأكبر، والنجاة من النار، وكل ذلك حسب ما كان من عمل الإنسان من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات، والتمسك بالحسنة التي تعطيه الخير كله، وهي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام.

روي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على مريض فقال: ما شأنك؟ قال: صليت بنا صلاة المغرب فقرأت القارعة، فقلت: ” اللهم إن كان لي عندك ذنب تريد أن تعذبني به في الآخرة فعجل ذلك في الدنيا، فصرت كما ترى، فقال صلى الله عليه وآله: بئسما قلت! ألا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ” فدعا له حتى أفاق.
وروي عن الامام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ،فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً .
قَالَ:«رِضْوَانُ اللَّهِ وَ الْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ،وَ الْمَعَاشُ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ فِي الدُّنْيَا».

وروي عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ” يا أبا عبد الله ألا أنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاءها أكبه الله في النار ولم يقبل معها عملا؟ ” قلت: بلى قال: ” الحسنة حبنا والسيئة بغضنا .

وروي أن هذا الدعاء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا كما في أكثر كتب التفسير وكان يدعو به بين الركن اليماني والحجر.
ومن يراجع الأخبار المأثورة في سيرة حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام وكيفية عبادتهم وبذلهم الجهد فيها، وتضرعهم وبكائهم بين يدي الله ومسكنتهم وخشيتهم وحزنهم أمام ساحة قدس ربَّ العزة، وفي كيفية مناجاتهم بين يدي قاضي الحاجات، لوجدها أوسع من التواتر واكثر عند علماء المسلمين جميعا.
ومن تلك المواقف الشريفة ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند عائشة ليلتها ، فقالت : يا رسول الله ، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : يا عائشة ، ألا أكون عبدا شكورا ؟ ! قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقوم على أطراف أصابع رجليه ، فأنزل الله سبحانه وتعالى : * ( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ).

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إذا أخذ كتاب علي ( عليه السلام ) فنظر فيه قال : من يطيق هذا ؟ من يطيق ذا ؟ قال : ثم يعمل به ، وكان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه ، وما أطاق أحد عمل علي ( عليه السلام ) من ولده من بعده إلا علي ابن الحسين ( عليهما السلام ).

ونحن في هذه الأيام الفضيلة في شهر كريم يجب علينا الالتزام بما أمرونا صلوات الله عليهم من الإخلاص في الدعاء والاجتهاد بالعبادة وتجنب الآثام والوقوع بالمحرمات ونكون كما أرادونا بما روي عنهم عليهم السلام.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إياك والسفلة، فإنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.

وروي عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ اَلْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يَا جَابِرُ أَ يَكْتَفِي مَنِ اِنْتَحَلَ اَلتَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَوَ اَللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلاَّ مَنِ اِتَّقَى اَللَّهَ وَ أَطَاعَهُ وَ مَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلاَّ بِالتَّوَاضُعِ وَ اَلتَّخَشُّعِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ اَللَّهِ وَ اَلصَّوْمِ وَ اَلصَّلاَةِ وَ اَلتَّعَهُّدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ اَلْفُقَرَاءِ وَ أَهْلِ اَلْمَسْكَنَةِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ اَلْأَيْتَامِ وَ صِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَ تِلاَوَةِ اَلْقُرْآنِ وَ كَفِّ اَلْأَلْسُنِ عَنِ اَلنَّاسِ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ وَ كَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي اَلْأَشْيَاءِ.

  • يحسن بالداعي أن يجمع في دعائه خيري الدنيا والآخرة.

  • ينبغي لكل داعٍ أن يكون جُلَّ دعائه ونصيبه الأكبر في أمورالآخرة، فجاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة : وأمرٍ واحدٍ من أمور الدنيا [‏وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] .

  • ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية .

  • أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة بل مدحه الله في كتابه العزيز .

  • أن كل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة.

  • من حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة : [آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ] ، والرهبة : [ قِنَا عَذَابَ النَّارِ ] حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء .

  • أهمية الأدعية في كتاب اللَّه تعالى، ‏فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ‏ودنياه، وآخرته .

  • فعلى العبد ملازمة هذه الدعوة المباركة تأسيا بنبيه صلى الله عليه وآله.
    وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
  • تضمنت هذه الدعوة جملة من الفوائد منها:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *