رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

الحلقة الثامنة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء في هذه الآية الكريمة، يختلف عن غيره بمعنى أنّ الطلب من الآخر إذا كان موجّهاً من الأعلى مقاماً إلى الأدنى سُمّي أمراً، ومن المساوي إلى صنوه سُمّي التماساً، وأمّا من الأدنى مقاماً إلى الأعلى فهو الدعاء، وفي تفسير ذكر هذه الآية عند علماء التفسير معاني عدة:

  • ١- إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا نزل عليه جبرائيل بالوحي يبادر بقرائته مخافة أن ينساه قبل أن يفرغ جبرائيل عليه السلام من آخر الوحي حتى يتكلم بأوله، فنزلت هذه الآية تنهاه عن المبادرة ولم ينسَ بعد ذلك شيئا.
  • ٢ – معناه يا محمّد لا تعجَل بقراءةِ القرآنِ الكريم عليهم حتّى ينزلَ عليكَ التفسيرُ في أوقاتِه كما تنزلُ إليكَ تلاوته.
    القول الثاني يفسر أن للقرآن نزولان:
    نزولٌ جُملي: هوَ نزولُ القرآنِ الكريم جملةً واحدة ودلَّ عليهِ قولهُ تعالى: ﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ﴾، وقولهُ تعالى: ﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾، وقولهُ تعالى: ﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ﴾.

نزولٌ نجمي: هوَ نزولُ القرآنِ الكريم مُتفرّقاً بحسبِ الوقائعِ والأحداث ودلَّ عليهِ قولهُ تعالى: ﴿وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا﴾.

وقد رويَ في كتبِ الحديثِ أنَّ جبريلَ كانُ يعارضُ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله بالقرآنِ كلَّ سنةٍ وأنّه عارضَه في السنةِ التي قُبضِ فيها مرّتين.
ويستفاد من أن النبي صلى الله عليهِ وآله كان يعجل بقراءة ماحفظه من الكتاب الكريم، فنزلت الآية تأمره بالتريث حتى ينزل عليه وحيه وفي أوقاته متفرقاً بحسب الوقائع والأحداث.

  • وهناك قول خلاف مما تقدم، بأن يسأل الله الزيادة في العلم، والأمر الإلهي لنبينا صلى الله عليه وآله هو أمر لنا، فإن الخطاب وُجّه إليه {صلى الله عليه وآله} لأنه هو القدوة والأسوة للأمة بأكملها، ومعلوم أن الخطاب للقدوة خطاب لأتباعه من حيث الأصل، إلا ما خصه الدليل به دون غيره.

روي عن جابر بن عبد الله أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره واشتقه من خلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتى وصل الى جلال العظمة في ثمانين ألف سنه ثم سجد لله تعظيماً فتفتق منه نور علي فكان نوري محيطاً بالعظمة ونور علي محيطاً بالقدرة ثم خلق العرش واللوح والشمس والقمر والنجوم وضوء النهار وضوء الأبصار والعقل والمعرفة وأبصار العباد وأسماعهم وقلوبهم من نوري، ونوري مشتق من نوره، فنحن الأولون ونحن الآخرون ونحن السابقون ونحن الشافعون ونحن كلمة الله ونحن خاصة الله ونحن أحباء الله ونحن وجه الله ونحن أمناء الله ونحن خزنة وحي الله وسدنة غيب الله ونحن معدن التنزيل وعندنا معنى التاويل وفي آياتنا هبط جبرائيل ونحن مختلف أمر الله ونحن منتهى غيب الله ونحن محال قدس الله ونحن مصابيح الحكمة ومفاتيح الرحمة وينابيع النعمة ونحن شرف الأمة وسادة الأئمة ونحن الولاة والهداة والدعاة والسقاة والحماة وحبنا طريق النجاة وعين الحياة ونحن السبيل والسلسبيل والمنهج القويم والصراط المستقيم من آمن بنا آمن بالله ومن رد علينا رد على الله ومن شك فينا شك في الله ومن عرفنا عرف الله ومن تولى عنا تولى عن الله ومن تبعنا أطاع الله ونحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلى رضوان الله ولنا العصمة والخلافة والهداية وفينا النبوة والإمامة والولاية ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة ونحن كلمة التقوى والمثل الأعلى والحجة العظمى والعروة الوثقى التي من تمسك بها نجا وتمت البشرى.

هذا الأمر من الله تعالى بزيادة العلم، دلالة واضحة على فضيلة العلم وأنه أفضل الأعمال وقد جاءت الأحاديث الكثيرة تحث على هذا المطلب العظيم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعليمه لنا دعاء طلب العلم قال: اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ماينفعني وزدني علما.
ومما جاءت الأحاديث به على فضيلة العلم، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم.

ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين تعلموا العلم ونفع بهم ونفع غيرهم، ودعاؤنا: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك صل على محمد وآل محمد واجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك أبدا ما أبقيتني.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *