الظهور بالمعنى العرفي

الميرزا الشيخ عباس العصفور
Latest posts by الميرزا الشيخ عباس العصفور (see all)

بسم الله الرحمان الرحيم

[responsivevoice_button voice=”Arabic Male” buttontext=”القارئ الآلي”]

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

عكفت الكثير من المذاهب على اعتبار العرف في مستوحى المفهوم اللفظي فقط، بل رفضوا غير ذلك مما جعلهم متأرجحين بين المعنى اللغوي والاستعمال بشكل أو بآخر، وكأن الأمر مختص بالألفاظ ولا قيمة للظهور عبر القرائن الحالية التي لها أثرها الشرعي الخاص حينما لا ينتابها اللبس والتعدد في المعاني.

ومن المعروف أن الظهور يصل لحالة من الحجية إذا ما وصل لمرحلة من مراحل التبادر المقنعة التي يمكن أن يلتزم بها العقلاء على نحو واضح لفظا أو تقريرا مما تعارف عليه الناس أو تسالم عليه العقلاء.

ومن هنا يمكننا الالتفات لنوعية النتيجة الحاصلة من التبادر في عدة صور متعددة حسب الحيثيات والجهات الملزمة إذا ما تم تفعيل هذا الظهور ليصل لمرحلة الاحتجاج به واعتبرت صلاحيته نافذة في إجراء الأحكام الشرعية على المتصرفين في الأعيان والمقرين والشهود وغيرها من سياقات الكشف عن الواقع والمراد .

الكثير من تصرفات العقلاء قد تبدو غامضة أو تحمل على عدة وجوه بجانب الألفاظ الغير محددة والتي لا يمكن إلزام الناس بها بمجرد حصولها أو وجودها في الخارج بأي نحو كان، لأن الظن مع كثرة وجود الاحتمالات بهذا القدر لا يمكن التعويل عليه ولا البناء على مخرجاته المتعددة، لأننا لو فعلنا ذلك فقد فتحنا أبوابا متعددة تتعدد بالتزامات كل ظن على حدة ويصبح جزاء الفعل الواحد متعددا باتجاهات مختلفة وهذا مما لا يمكن أن نعتبره مرادا في فعل واحد لاستحالة البناء عليه في آن واحد عقلا.

فهل ينتفي الظهور إذا ما لم يتبادر للذهن في سياقه العرفي ونتيجته المحصلة من قضاياه بالحد الأوسط المأخوذ بالمعنى العرفي _ الذي ذكرناه سابقا_ أم يؤخذ به ويتبقى علينا إيجاد القرائن والبحث فيها؟ أم يترك كمعنى من المعاني المجازية حتى يحصل على قرائنه التي تجعله من المعاني الحقيقية في مرادات المتكلم؟

من المتعارف أن الحركات المريبة أو الحدث اللافت والملفت عادة لا يكون إلا لغرض وغاية، فمنها ما يكون إشارة كالتصرف الدال على الملك ومدياته، كتنظيف المكان من غير إحداث تغيير في العقار .. أو إقرارا لفظيا عبر التمثل بأبيات شعرية أو أمثال شعبية.. أو التصرفات التي نحملها على الصحة وفق القواعد الفقهية من زوجية أو بنوة وأمثالها والتي يمنع الشارع الأقدس حملها على سوء الظن، أو من تصرفات كلبس السواد للحزن تارة بكيفية وللفرح أخرى بكيفية أخرى .. فهذه الحركات عادة لا تكون إلا لعلة ولكن لا يشترط أن تكون هذه العلل واضحة لكونه غير مطالب بالتصريح بعلله في كل تصرفاته عدا بالنزاعيات إذا استلزم الأمر، ولكن هذا المعلول يعطينا معنى ظهوريا واضحا !

بقي أمر التبادر الذي لابد منه، فهو الفيصل ليجعل هذا الظهور حجة أو لا ، فما كان واضحا في تبادره ولايمكن أن يلبس بمعاني أخر ظاهرا يلزم ويكون إقرار ، وما ليس بذلك فالعكس، وهكذا.. فعلى جميع الحالات إن كانت الحدود الوسطى في مثل هذه القضايا من جهة المحمولات غير مسندة بشكل تام أو لم تصل للقدر المتيقن بإمكانية إلزام المتصرف أو الفاعل للقرائن الحالية فلا يمكن اعتبار حجية ظهورها إلا فيما تمت معانيها فيه بالمقدار المتيقن منه ويصرف الغير تام لعدم صلاحية الاحتجاج به..

وإن كان العرف قد يتسامح في المعنى المتفاوت والمعنى المتردد حال الإسناد أو حال التعليل لتصرفات الناس مما قد يدخلنا في فرضيات الاحتمالات المفتوحة بأوسع مصاريع أبواب الظنون ويجعل من الشكوك مسرحا كبيرا لإجراء الأصل العملي في عدة احتمالات من فعل واحد فيضيع الواقع وتضيع حتى الوظيفة الشرعية في مثل هذا الفرض لتعدد المواضيع والمحمولات وتعدد العناوين بحسب الظرف تارة والنوع أخرى بل حتى المدعي والمنكر في النزاعيات ..

والحمد لله رب العالمين..

الميرزا عباس العصفور

النجف الأشرف

 

تعليق واحد على “الظهور بالمعنى العرفي”

اترك رداً على آل هاشم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *