شرح دعاء الليلة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللهم أنت السميع العليم، وأنت الواحد الكريم، وأنت الاله الصمد، رفعت السماوات بقدرتك، ودحوت الأرض بعزتك، وأنشأت السحاب بوحدانيتك، وأجريت البحار بسلطانك.

يا من سبحت له الحيتان في البحور، والسباع في الفلوات، يا من لا تخفى عليه خافية في السماوات السبع والأرضين السبع.

يا من يسبح له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن، يامن لا يموت ولا يبقى إلا وجهه الجليل الجبار، صل على محمد وآله واغفر لي وارحمني، واعف عني، إنك أنت الغفور الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه: (اللهم أنت السميع العليم، وأنت الواحد الكريم، وأنت الاله الصمد، رفعت السماوات بقدرتك، ودحوت الأرض بعزتك، وأنشأت السحاب بوحدانيتك، وأجريت البحار بسلطانك).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنبياء:{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

ولله الأسماء الحسنى، ومنها السميع، أي المتصف بالسمع لجميع الموجودات دون حاسة أو آلة، هو السميع لنداء المضطرين، وحمد الحامدين، وخطرات القلوب وهواجس النفوس، و مناجاة الضمائر، ويسمع كل نجوى، ولا يخفى عليه شيء في الأرض أو في السماء، لا يشغله نداء عن نداء، ولا يمنعه دعاء عن دعاء.

والعليم من أسمائه تعالى، وهو لفظ مشتق من العلم، و إدراك الشيء بحقيقته، وسبحانه العليم هو المبالغ في العلم، فعلمه شامل لجميع المعلومات محيط بها، سابق على وجودها، لا تخفى عليه خافية، ظاهرة وباطنة، دقيقة وجليلة، أوله وآخره. 

كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة لقمان:((إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ).

خلق الله قبل كل شئ خلقا يسبحونه فمنهم بدأ وبهم يختم، ماروي عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: 

يا جابر كان الله ولا شئ غيره  لا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلى الله عليه وآله وخلقنا أهل البيت عليهم السلام معه من نور عظمته ، فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربنا، كشعاع الشمس من الشمس، نسبح الله، ونقدسه، ونحمده ، ونعبده حق عبادته، ثم بدا لله أن يخلق المكان فخلقه  وكتب على المكان (لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ووصيه به أيدته ونصرته) ثم خلق الله العرش فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك، ثم خلق الله السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثم خلق الجنة والنار فكتب عليهما مثل ذلك، ثم خلق الملائكة فأسكنهم  السماء، ثم خلق الهواء فكتب عليه مثل ذلك، ثم خلق الجن فأسكنهم الهواء، ثم خلق الأرض فكتب على أطرافها مثل ذلك، فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد، وثبتت الأرض، ثم خلق الله آدم من أديم الأرض … ثم ساق الحديث الطويل إلى قوله فنحن أول خلق الله، وأول خلق عبد الله وسبحه، ونحن سبب الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين.

يطمئن قلب المؤمن في هذا الشهر المبارك فيعلم أمورا عن الخلق، بما روي  عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، عن قول الله عز وجل: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع  وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهو مستولٍ على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا.

وذلك قوله تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأعراف:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يا من سبحت له الحيتان في البحور، والسباع في الفلوات، يا من لا تخفى عليه خافية في السماوات السبع والأرضين السبع،

يا من يسبح له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: والذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات  أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها، يأتي الله كل يوم بعملها والله أعلم بها، وما منهم أحد إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبينا، ويلعن أعداءنا، ويسأل الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالا.

وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يامن لا يموت ولا يبقى إلا وجهه الجليل الجبار، صل على محمد وآله واغفر لي وارحمني، واعف عني، إنك أنت الغفور الرحيم).

ومن أسمائه تعالى الجبار، وفي اللغة تقول: الجبر ضد الكسر، وإصلاح الشيء بنوع من القهر، يقال جبر العظم من الكسر، وجبرت الفقير أي أغنيته، كما أن الجبار في اللغة هو العالي العظيم، والجبار في حق الله تعالى هو الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، ويظهر أحكامه قهرا، ولا يخرج أحد عن قبضة تقديره، وليس ذلك إلا لله.

حادثة يعلمنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التسليم للجبار:

 ضُرِبَ النبي بالحجارة يوم الطائف وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه   فدعى النبي شاكياً إلى الله دون أن يطلب منه شيئاً قائلاً، “اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي… إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟  أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي”. 

لنتعلم من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كيف نلجأ إلى الله. و قيل: وكان في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة، فكره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما، فقالا لغلام لهما يقال له: عداس: خذ قطفين من العنب، وقدحا من الماء، واذهب بهما إلى ذلك الرجل، وإنه سيسألك أهدية أم صدقة، فإن قلت: صدقة لم يقبلها، بل قل له: هدية.

فمضى ووضعه بين يديه، فقال: «هدية أم صدقة؟ ».

فقال: هدية، فمد يده، وقال: بسم الله، وكان عداس نصرانياً، فلما سمعه عجب منه، وصار ينظره، فقال له: «يا عداس من أين؟ ».

قال: من أهل نينوى.

قال: «من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متى».

قال: ومن أعلمك؟

فأخبره بقصته، وبما أوحي إليه.

فقال: ومن قبله؟

فقال: «نوح، ولوط» وحكاه بالقصة.

فخر ساجدا لله، وجعل يقبل قدميه، هذا وسيداه ينظران إليه.

فقال أحدهما للآخر: سحر غلامك، فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت وقبلت يديه؟

فقال: يا أسيادي ما على وجه الأرض أشرف ولا ألطف ولا أخير منه.

قالوا: ولم ذلك؟

قال: حدثني بأنبياء ماضية، ونبينا يونس بن متى، فقالا: يا ويلك فتنك عن دينك؟

فقال: والله إنه نبي مرسل.

قالا له: ويحك عزمت قريش على قتله، فقال: هو والله يقتلهم ويسودهم ويشرفهم، إن تبعوه دخلوا الجنة، وخاب من لا يتبعه، فقاما يريدان ضربه فركض للنبي (صلّى الله عليه وآله) وأسلم. 

لابد أن يجبُرك! قد يجبُرك الله تدريجياً لحكمةٍ يعلمها، ولكن لابد وأن يُجبر خاطرك ولو بإشارة. 

ثم يأتي الجبر الكامل من الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في  رحلة الإسراء والمعراج.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *