شرح دعاء الليلة التاسعة

دعاء الليلة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم 

يا سيداه يا رباه، يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا العز الذي لا يرام، يا قاضي الأمور، يا شافي الصدور، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، اقذف رجاك في قلبي، حتى لا أرجو أحدا سواك،  توكلت عليك سيدي، وإليك مولاي أنبت، وإليك المصير.

أسألك يا إله الآلهة، ياجبار الجبابرة، يا كبير الأكابر، ويامن إذا توكل العبد عليه كفاه، وصار حسبه وبالغ أمره، عليك توكلت فاكفني، وإليك أنبت فارحمني، وإليك المصير فاغفر لي، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه، إنك أنت العزيز الحكيم، صل اللهم على محمد وآل محمد، وارحمني وتجاوز عني، إنك أنت الغفور الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(يا سيداه يا رباه، يا ذا الجلال والاكرام، يا ذا العز الذي لا يرام، يا قاضي الأمور، يا شافي الصدور، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا).

يستعمل حرف النداء الياء لطلب من العالي إلى الداني، أو من الداني إلى العالي لطلب الدعاء والحاجة.

والنداء هو الدعاء برفع الصوت والمنادى هو المطلوب إقباله بحرف مخصوص .

للنداء سبعة أحرف ، منها ما هو مختص بنداء البعيد حساً أو حكماً ، وهو المنزل منزلة البعيد ، لنوم أو سهو أو ارتفاع محل أو انخفاضه ، ومن ثم استعملت في نداء العبد ربَّه ، ونداء الرب عبدَه ، كقوله تعالى: ( ربنا لا تؤاخذنا ) ومنها ما هو مختص بنداء القريب. 

  وهي : يا، وتستعمل في كل حالات النداء ، وآ ، وأيا، وهيا للمنادى البعيد ، وأي والهمزة للمنادى القريب ، و وا للمنادى المندوب ، من ذلك قوله تعالى: ( قيل يا نوحُ اهبط بسلام منّا). 

قد يخرج النداء عن معناه الأصلي إلى معانٍ أخرى تفهم من السياق وقرائن الأحوال ، من ذلك: 

١- المدح : مثل نداء الله رسله و أنبيائه والمؤمنين ، قال تعالى: ( يا أيها الرسول ) و( يا أيها النبي ) و( يا أيها الذين آمنوا ). 

٢- الذم : مثل نداءات العصاة والكفار نحو: ( يا أيها الذين كفروا ) وفيها تنبيه على بعدهم وعدم طاعتهم لأوامر الله سبحانه وتعالى .

٣- التنبيه : مثل: ( يا أيها الناس ) مما فيه تنبيه وحث إلى ما يجب عمله. 

٤-التهديد : كقوله تعالى على لسان قوم لوط عليه السلام : ( لئِن لم تَنتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِن المُخْرَجِين ). 

٥- تنزيل القريب منزلة البعيد : لغرض التعظيم وعلو الشأن، نحو قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلينِ من رحمته ) ، أو للحرص على إقبال المنادى حتى كأنه بعيد ، قال تعالى:   ( قالوا يا نوحُ اهبِط بسلامٍ منا وبركات ). 

٦- التفجع : نحو: ( قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ) . 

٧- التحسر : نحو: ( يا حَسْرَتَنَا على ما فَرَّطْنَا فيها ) ، ( يا ليتني كنت ترابا ). 

٨- التمني : نحو: ( يا ليتني متُّ قبل هذا ) 

٩- التأسف : وهو الحزن الشديد ، نحو: ( يا أسفي على يوسف ). 

 ١٠- الدعاء : نحو: ( ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً ). 

 ١١- الالتماس : نحو: ( يا بَنِيَّ اذهَبُوا فتحسسوا من يُوسُفَ وأخيه ). 

١٢- الاستعطاف : نحو: ( قال يبنؤمِّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ). 

١٣- التعظيم والتبجيل : نحو: ( يا أيُّها الرسولُ بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك ). 

١٤- التحدي والتعجيز: نحو: ( يا مَعْشَرَ الجنِّ والإنسِ إنْ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقطارِ السمواتِ والأرضِ فانْفُذُوا). 

١٥- التشنييع : نحو: ( يا أهلَ الكتابِ قد جاءَكُم رَسُولُنا يُبَيِّنُ لكم كثيراً مِمَّا كُنتُم تُخْفُونَ من الكتابِ ويعفوا عن كثير).  

قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ ﴾

هو أمرٌ صريحٌ بدعاء الله تعالى والتوسّل إليه بأسمائه الحسنى. 

وغالباً ما يأتي الدعاء  بالأسماء الحسنى على صيغة التوسُّل والاستغاثة، وهو ما يضيف أُسلوباً جديداً من أساليب التوسُّل والاستغاثة بذاته المقدسة.

وروي عنه صلى الله علیه وآله وسلم في دعائه:(اقذف رجاك في قلبي، حتى لا أرجو أحدا سواك،  توكلت عليك سيدي، وإليك مولاي أنبت، وإليك المصير).

قال تعالى في محكم كتابه العزيزفي سورة البقرة:{لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.

الرجاء من الطرق التي يسلكها المؤمن فيرجو من الله أن ينير قلبه به فيصبح مما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): القلوب أربعة: قلب فيه إيمان وليس فيه قرآن، وقلب فيه إيمان وقرآن، وقلب فيه قرآن وليس فيه إيمان، وقلب لا إيمان فيه ولا قرآن:

فأما الأول كالتمرة طيب طعمها ولا طيب لها، والثاني كجراب المسك طيب إن فتح وطيب إن وعاه، والثالث كالأسنة طيب ريحها وخبيث طعمها، والرابع كالحنظلة خبيث ريحها وطعمها.

وعن الإمام السبط الحسن (عليه السلام): أسلم القلوب ما طهر من الشبهات.

يطلب المؤمن من ربه أن يكون أمر توكله عليه وحده دون أحد من الخلق ليصل إلى ما يجول في قلبه، ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن ، فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أقطناه.

فيعرف المؤمن عز أمره ومصيره بفعل التوكل على الله و ما روي عند سؤال النبي صلى الله عليه وآله جبرائيل عن التوكل على الله تعالى قال جبرائيل عليه السلام:

العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع ، ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ، ولم يرج ولم يخف سوى الله ، ولم يطمع في أحد سوى الله ، فهذا هو التوكل.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أسألك يا إله الآلهة، ياجبار الجبابرة، يا كبير الأكابر، ويامن إذا توكل العبد عليه كفاه، وصار حسبه وبالغ أمره). 

إنّ الله هو إله كلّ ما يسمّى ويدّعي أنّه إله، وكون هناك إله فوق تلك الآلهة يعني، أنّها ليست بآلهة، لأنّ الإله هو الواحد الذي ليس فوقه إله، فمن العبارة: (إله الآلهة) يظهر أنّها ليست بآلهة وإنّما آلهة مدّعاة من قبل الناس يصفون بها أنفسهم، كما فعل فرعون، وكذلك معنى ياجبار الجبابرة فالنمرود ادعى ذلك ، ولذلك أنه عزوجل هو إله كل من يدعي الألوهية وجبار كل من يدعي أنه جبار .

يتوكل المؤمن على الله الجبار فيكون عونه، ماروي عن الإمام علي عليه السلام قال : من وثق بالله أراه السرور ، ومن توكل عليه كفاه الأمور.

ويبين لنا النبي صلى الله عليه وآله معنى التوكل بالسعى والطلب لقوم رآهم لا يزرعون، قال: ما أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : لا ، بل أنتم المتكلون. 

وروي عن الإمام علي عليه السلام  لما رأى قوم أصحاء جالسين في زاوية المسجد قال: من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال  عليه السلام: لا ، بل أنتم المتأكلة ، فإن كنتم متوكلين فما بلغ بكم توكلكم ؟ قالوا : إذا وجدنا أكلنا ، وإذا فقدنا صبرنا ، قال عليه السلام: هكذا تفعل الكلاب عندنا! قالوا : فما نفعل ، قال: كما نفعل ، قالوا : كيف تفعل ؟ قال ( عليه السلام ) : إذا وجدنا بذلنا ، وإذا فقدنا شكرنا.

قد يلتزم المؤمن بما قال الإمام علي عليه السلام في وصية لابنه الحسن عليه السلام:

و الجيء نفسك في أمورك كلها إلى إلهك ، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ، ومانع عزيز. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(عليك توكلت فاكفني، وإليك أنبت فارحمني، وإليك المصير فاغفر لي، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه، إنك أنت العزيز الحكيم، صل اللهم على محمد وآل محمد، وارحمني وتجاوز عني، إنك أنت الغفور الرحيم).

إن من أفعال اسوداد الوجه يوم القيامة هي الكذب على الله ورسوله وآله عليهم السلام، لحديث الإمام الصادق عليه السلام: من تحدث عنا بحديث فنحن سائلوه عنه يوما فإن صدق علينا فإنما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذب علينا فإنه يكذب على الله ورسوله، لأنا إذا حدثنا لا نقول قال فلان وقال فلان، إنما نقول: قال الله وقال رسوله ثم تلا هذه الآية في سورة الزمر:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}.

وقال الإمام الصادق عليه السلام: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل.

المؤمن الساعي إلى بياض وجهه يوم يفر المرء من أبيه وصاحبته وبنيه يسلم لهم عليهم السلام بما ورد إليه.

روي عن سدير قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض،  فقال عليه السلام: وما أنت وذاك، إنما كلف الناس ثلاثة، معرفة الأئمة والتسليم لهم فيما ورد عليهم والرد إليهم فيما اختلفوا فيه. 

روي عن زيد الشحام  قال للإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: إن عندنا رجلا يقال له كليب، فلا يجيء عنكم شيء إلا قال: أنا أسلم، فسميناه كليب تسليم قال: فترحم عليه ثم قال عليه السلام: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا فقال عليه السلام: هو والله الإخبات لقول الله عز وجل: ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم﴾.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايتهم ومنتصرين لهم والمنتظرين لفرج ولي الله الأعظم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *