شرح دعاء الليلة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة الرابعة عشر 

يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين،ويا جبار الجبابرة، ويا إله الأولين والآخرين، أنت خلقتني ولم أك شيئا مذكورا، وأنت أمرتني بالطاعة فأطعت سيدي جهدي، وان كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت فتفضل علي سيدي، ولا تقطع رجائي، وامنن علي بالجنة، واجمع بيني وبين نبي الرحمة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، واغفر لي إنك أنت التواب الرحيم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين،ويا جبار الجبابرة، ويا إله الأولين والآخرين، أنت خلقتني ولم أك شيئا مذكورا).

المؤمن تراهُ سائحاً في تفكيره في خلق الله عز وجل، بكل جوارحه ، لا مفر من العظة الكبرى له، ألا وهي خلق الله للإنسان، فيبين الله ذلك له في كتابه العزيز، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الطارق: {فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ}، قد لهفت نفسه سر المعرفة للحق في تكوينه، قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ }. 

فتكون أول معرفته النظر في أنه مخلوق، فتتفتح آفاق التفكير العميق عند المؤمن لتصل إلى كنه غايته الأساسية في المعرفة، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الحجر:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾

تبارك الله خالق الإعجاز محير العقول، غير محتاج إلى مخلوقاته مخبرهم سر خلقهم بمراحله الأولى، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون:{﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾.

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): والعجب من مخلوق يزعم أن الله يخفى على عباده وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله، وتأليف يبطل حجته، ولعمري لو تفكروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البين، ولطف التدبير الظاهر، ووجود الأشياء مخلوقة بعد أن لم تكن، ثم تحولها من طبيعة إلى طبيعة، وصنيعة بعد صنيعة، ما يدلهم على الصانع.

عن وصول طريق معرفته إلى مرحلة الإعجاز الإلهيّ في وصف الدقيق لمراحل خلق الإنسان، قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة غافر: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾

وقال تعالى في سورة النحل: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

فتبقى الغاية هي كمال المعرفة للحق، يصدح في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لتخرجنا من الباطل إلى الحق فمدرستهم منهاج الله، فهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة وكلامهم كلام الله، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيها المخلوق السوي، والمنشأ المرعي، في ظلمات الأرحام ومضاعفات الأستار، بدأت من سلالة من طين… ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك؟!.  

ثم يكونوا حصن الله في المعرفة والتوضيح ليرتقي المؤمن إلى أعلى مراتب العلم من كتاب الله الناطق فتطمئن نفسه أنه على صراط الله المستقيم.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (وأنت أمرتني بالطاعة فأطعت سيدي جهدي، وان كنت توانيت أو أخطأت أو نسيت فتفضل علي سيدي، ولا تقطع رجائي).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الكهف: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾.

المؤمن يلحظ فضائل ونورانية هذا الشهر فيستغل وقته في البحث عن أفضل العبادة، وأفضل أماكنها، وأي الطرق أسرع في الهروب من الفتنة، والخطأ الذي يوجب له العقاب، فيتفكر في هؤلاء الفتية الذين هربوا وضجوا إلى الله.

روي عن الإمام  الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام، فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء  قوما مؤمنين يعبدون الله عز وجل، ووكل الملك بباب المدينة حرسا ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام، وخرج هؤلاء بعلة الصيد، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم، فقال الصادق عليه السلام: فلا يدخل  الجنة من البهائم إلا ثلاثة: حمار بلعم  بن باعوراء، و ذئب يوسف، وكلب أصحاب الكهف.

فهروبهم من السجود لغير الله كانت لهم نجاة إلى طريق عبادة الله.

فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم، فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك وتعالى:

” فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ” فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا، فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ههنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم.

إن بإخلاصهم لله في العبادة جعلهم الله آية للأمم الآتية وأعطاهم أجرا عظيما، روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام وذكر أصحاب الكهف فقال عليه السلام: لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فافعلوا فعلهم، فقيل له: وما كلفهم قومهم؟

قال: كلفوهم الشرك بالله فأظهروه لهم، وأسروا الايمان حتى جاءهم الفرج. 

وقال عليه السلام: إن أصحاب الكهف كذبوا فآجرهم وصدقوا فآجرهم الله.  

وقال عليه السلام: كانوا صيارفة كلام، ولم يكونوا صيارفة الدراهم. 

وقال: خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد، فلما صاروا في الصحراء أخذ هذا على هذا وهذا على هذا العهد والميثاق، ثم قال: أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد. 

وقال: إن أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الكفر، فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجرا منهم على إسرارهم الايمان. 

وقال: ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب الكهف وإن كانوا ليشدون الزنانير، ويشهدون الأعياد، فأعطاهم الله أجرهم مرتين.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (وامنن علي بالجنة، واجمع بيني وبين نبي الرحمة، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، واغفر لي إنك أنت التواب الرحيم).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النساء:  {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى باللهِ عَلِيمًا}.

المؤمن الراحل في هذا الشهر الكريم إلى طاعة الله شاكرا على نور الهداية العظمى .

روي عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: رأس طاعة الله الرضا بما صنع الله فيما أحب العبد وفيما كره، ولم يصنع الله (تعالى) بعبد شيئا إلا وهو خير له.

رجاء الجنة هو معرفة المؤمن صراط الحق، روي عن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام يوم افتتح البصرة وركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله؟

فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدثنا فإنك كنت تشهد ونغيب.

 فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب لا ينكر فضلهم إلا كافر ولا يجحد به إلا جاحد. 

فقام عمار بن ياسر – رحمه الله – فقال: يا أمير المؤمنين ! سمهم لنا لنعرفهم .

فقال: إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل وإن أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وآله وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي، ألا وإن أفضل الأوصياء وصي محمد عليه وآله السلام، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره، شئ كرم الله به محمدا صلى الله عليه وآله وشرفه والسبطان الحسن والحسين والمهدي عليهم السلام، يجعله الله من شاء منا أهل البيت، ثم تلا هذه الآية ” ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما” .

يعلم المؤمن أن خلاص أموره ولايته لأهل البيت عليهم السلام ليكون مع النبي صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم في الجنة، فينطق اللسان بدعاء الرجاء: اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايتهم.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *