شرح دعاء الليلة السابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم 

دعاء الليلة السابعة عشر 

اللهم هذا شهر رمضان، الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أمرتنا فيه بعمارة المساجد والدعاء والصيام والقيام، وضمنت لنا فيه الإجابة، وقد اجتهدنا وأنت أعنتنا فاغفر لنا فيه، ولا تجعله آخر العهد منه، واعف عنا، فإنك ربنا، وارحمنا فأنت سيدنا، واجعلنا ممن ينقلب إلى مغفرتك ورضوانك، إنك أنت الأجل الأعظم. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(اللهم هذا شهر رمضان، الذي أنزلت فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

فضل هذا الشهر الشريف المبارك أن خصه الله بتسميته في القرآن دون باقي الشهور، لما فيه من الخير والبركة والهدى للناس، ونزول القرآن فيه كما صرحت الآية المباركة. 

وروي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السَّلام قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ .

فَقَالَ عليه السلام:  لَا تَقُولُوا هَذَا رَمَضَانُ ، وَ لَا ذَهَبَ رَمَضَانُ ، وَ لَا جَاءَ رَمَضَانُ ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، لَا يَجِي‏ءُ وَ لَا يَذْهَبُ ، وَ إِنَّمَا يَجِي‏ءُ وَ يَذْهَبُ الزَّائِلُ ، وَ لَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ ، وَ الِاسْمُ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جَعَلَهُ مَثَلًا وَ عِيداً.

فيعرف قدر هذا الشهر أن كان من أسماء الله تبارك وتعالى التي ندعوه بها، ونزول كتاب الله فيه ليكون عوناً لقلوب المؤمنين في معرفة عظمة الخالق، وما دارت عليه السنين الأولى، فكرامة الشهر كثرة قراءة القرآن.

و روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام قال: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً ، ـ ثُمَّ قَالَ ـ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

هدى الناس في هذا الشهر تختلف عن غيرها من الشهور لفريضة الصوم عليهم، وإحساسهم أنهم عبيد لله فجزيل الهدى كرم العطايا.

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: يا جابر !.من دخل عليه شهر رمضان ، فصام نهاره ، وقام ورداً من ليلته ، وحفظ فرجه ولسانه ، وغضّ بصره ، وكفّ أذاه ، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه ،

 قلت له : جعلت فداك ! ما أحسن هذا من حديث ! 

قال : ما أشدّ هذا من شرط !

فرقان شهر الله مضاعفة الأجر ومغفرته وتقسيم أرزاق العباد تعطي المؤمنين عزم الأمر وتحمل المشاق فيه.

روي عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : شهر رمضان ليس كالشهور لما تضاعف فيه من الأجور هو شهر الصيام، وشهر القيام، وشهر التوبة والاستغفار، وشهر تلاوة القرآن، هو شهر أبواب الجنان فيه مفتحة، وأبواب النيران فيه مغلقة، هو شهر يكتب فيه الآجال، ويبث فيه الأرزاق، وفيه ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم، ويكتب فيها وفد ببيت الله الحرام _تتنزل الملائكة والروح فيها_ عليه الصائمون والصائمات، بإذن ربهم في كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر، من لم يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر إلى قابل، فبادروا بالأعمال الصالحات الآن، وباب التوبة مفتوح، والدعاء مستجاب، قبل : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأن كنت لمن الساخرين. 

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(أمرتنا فيه بعمارة المساجد والدعاء والصيام والقيام، وضمنت لنا فيه الإجابة، وقد اجتهدنا وأنت أعنتنا فاغفر لنا فيه).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الجن: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا).

أن أفضل الأعمال التي يقوم بها المؤمن هو الالتزام بما أمره الله تعالى به، رعاية منه له ، وتقرب إلى رضوانه لكي يحس المؤمن من القرب الإلهي . 

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة التوبة: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.

فلكل عمل يقوم به المؤمن أجرا وأعظم هذه الأجور عمارة مساجد الله، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة.

ولدلالة العمارة دلالة غير البناء ألا وهي السعي والذهاب للصلاة فيه لتكون بيوتهم التي يتقربون بها إلى الله، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي ألا إن على المزور كرامة الزاير.

وروي عنه عليه السلام قال: من مشى إلى المساجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة.

وللجلوس في المساجد عمارة له، فتعطي جالسها أجمل أنس،  روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا ذر! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، وتمحي عنك عشر سيئات.

فكل اجتهاد يقوم به المؤمن في مساجد الله من طلب الإعانة والمغفرة يعطيه الله، روي عن الإمام علي (عليه السلام): من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنبا خشية أو حياء.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل.

وقد زدنا معرفة أن تكون الأمور الأربعة العمارة والدعاء والصيام والقيام، لاستجابة الدعاء في هذا الشهر المبارك.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(ولا تجعله آخر العهد منه، واعف عنا، فإنك ربنا، وارحمنا فأنت سيدنا، واجعلنا ممن ينقلب إلى مغفرتك ورضوانك، إنك أنت الأجل الأعظم).

رجاء المؤمن عهده كل سنة بصيام هذا الشهر، ليكون من عباد الله الذي يوفقهم الله إلى رحمته أو أداء

الصيام، روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر رمضان فلما أبصرني  قال لي: يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه ، وقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه فان جعلته فاجعلني مرحوما ولا تجعلني محروما فإنه من قال ذلك ظفر باحدى الحسنيين إما ببلوغ شهر رمضان من قابل وإما بغفران الله ورحمته. 

دليل سعي المؤمن هو رضا الله عنه، في هذه الليالي المباركة، قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة التوبة: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب وكثرة الصدق.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: إن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله. 

لذا دعونا نرفع أكفّنا ونتوجّه بقلب خاشع خائف مُنكسر مُتذلّل، وبعين باكية راجية رحمة الله ومغفرته، وبلسان صدق يُردِّد مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام :إلهي جودك بسط أملي، وعفوك أفضل من عملي؛إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، وإن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك؛ فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك، وحجبه سهوه عن عفوك”. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *