شرح دعاء الليلة الثامنة عشر

دعاء الليلة الثامنة عشر 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان، وأنزل علينا فيه القرآن، وعرفنا حقه، والحمد لله على البصيرة، اسألك بنور وجهك يا إلهنا وإله آبائنا الأولين، أن ترزقنا التوبة، ولا تخذلنا، ولا تخلف ظننا بك، صل على محمد وآله، واعف عنا وارحمنا إنك أنت الجليل الجبار. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(الحمد لله الذي أكرمنا بشهر رمضان، وأنزل علينا فيه القرآن، وعرفنا حقه).

أن الله بصفته الكريم هو المُكرم لعباده أن يمن عليهم بهذا الشهر المبارك الذي هو خيرٌ من الشهور، فيقومون بأداء واجباته من صيامه وقيامه، ولهذا الشهر خصوصية، أن العباد في ضيافة الله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن شهركم هذا ليس كالشهور، إنه إذا أقبل إليكم أقبل بالبركة والرحمة، وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب، هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة، وأعمال الخير فيه مقبولة؛ إنَّ الشقي حق الشقي من خرج عنه هذا الشهر ولم تغفر ذنوبه، فحينئذ يخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم.

قال تعالى في محكم كتابه المبين في سورة الأنعام: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

ومن خصوصية هذا الشهر الفضيل أجر الإفطار فيه يغني كل طالب ثواب وزيادة الأجر عن المشقة والعبء فيه.

روي عن الرسول الكريم (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم): من فطَّر فيه _أي في شهر رمضان_ مؤمناً صائماً، كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضى،

قيل: يارسول الله، ليس كلُّنا يقدر أن يُفطِّر صائما تفطير الصائم قد يُشكل عبئاً على بعضنا؛ نظراً لضعف الحال، وقلة المال،

فقال صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم:إنَّ الله كريم، يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلا على مذْقةٍ من لبن يُفطِّر بها صائما، أو شربة من ماءٍ عذب، أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك فمن لم يقدر، كفاه أن يبذل تميرات لصائمٍ مؤمن.

الكريم يحب الكرام، ومنهم الكرم وإليهم الجود والفعل، هم أمناء الرحمن ولسانه الناطق وبفعلهم يدلون على عظمة هذا الشهر وكرم الله على عباده فيه.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال: كان علي بن الحسين عليه‌ السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاةٍ فتذبح وتُقطَّع أعضاؤه وتطبخ، فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم، ثم يقول: هاتوا القصاع يعني الأواني، اغرفوا لآل فلان، اغرفوا لآل فلان، ثم يُؤتى بخبزٍ وتمر فيكون ذلك عشاءه. 

و من مختصات هذا الشهر الفضيل التي تميزه وأفضليته، أنَّه شهر القرآن الكريم نزولًا وربيعًا، فأمَّا النزول حكته آيات الرحمن ، كقوله تعالى في سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان}  وقوله تعالى في سورة الدخان: {حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، وقوله عزوجل في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.

وأما ربيعا نطق به أهل بيت النبوة وموضع الرسالة،

روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لكل شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان.

فبتلاوته وتدبره في شهر رمضان أثر متميز وخصوصية متفردة يعلمنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته قال: ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(والحمد لله على البصيرة، اسألك بنور وجهك يا إلهنا وإله آبائنا الأولين، أن ترزقنا التوبة).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يوسف:

{قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

ومن الأمور المهمة التي يحمد الله عليها كثيرا هي البصيرة الحقيقية التي يتميز بها المؤمنون، من هنا عرف بعض  علمائنا، تعريف البصيرة بأنّها الدلالة التي يُستبصَر بها الشيء على ما هو به.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعدًا.

وهذا شهر الرحمة يفضي علينا بحمدالله أننا كنا من الذين أبصر البصيرة أمامه فتعلق قلبه وروحه ونفسه بهم، إنهم باب الله التي منه يؤتى ، ودلالته الواضحة، بيت أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، فبصيرتنا بمحمد وآل محمد تكون الموصلة إلى صراط الله المستقيم والنعيم منه.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليا بعدي، وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده.

بصيرة الإنسان بهم يعرفون بها عندهم صلوات الله عليهم فتكون أما بريقا لهم وأما أثاما لهم.

روي عن أصبغ بن نباتة: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه رجل، فسلم عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين! إني والله لأحبك في الله، وأحبك في السر كما أحبك في العلانية، وأدين الله بولايتك في السر كما أدين بها في العلانية – وبيد أمير المؤمنين عود – طأطأ رأسه ثم نكت بالعود ساعة في الأرض، ثم رفع رأسه إليه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حدثني بألف حديث، لكل حديث ألف باب، وإن أرواح المؤمنين تلتقي في الهواء فتشم وتتعارف، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وبحق الله لقد كذبت، فما أعرف وجهك في الوجوه ولا اسمك في الأسماء.

فبحقهم يا إلهنا ارزقنا التوبة وارحمنا في هذا الشهر الكريم، فنكون باطنا وظاهرا موحدين لك وموالين للعترة الطاهرة محمد وآل محمد. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: التوبة النصوح أن يكون باطن الرجل كظاهره وأفضل.

وروي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(ولا تخذلنا، ولا تخلف ظننا بك، صل على محمد وآله، واعف عنا وارحمنا إنك أنت الجليل الجبار).

الظن الحسن بالله دأب عليه المؤمنون في حياتهم، 

ومعنى حسن الظن بالله تعالى هو اعتماد الإنسان المؤمن على الله في أموره كلها ، و يقينه الكامل و ثقته التامة بوعد الله ووعيده ، و اطمئنانه بما عند الله ، و عدم الاتكال المُطلق على تدبير نفسه و ما يقوم به من أعمال.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: رأس العبادة حسن الظن بالله.

وروي عنه صلى الله علیه وآله قال: والذي لا إله إلا هو، لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخيرات، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه.

ونحن المحسنين بك بالظن يا الله لكل خير في هذا الشهر الشريف، فتعطينا ما ظننا بك.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في زمن موسى بن عمران عليه السلام رجلان في الحبس فأخرجا ، فأما أحدهما فسمن وغلظ، وأما الآخر فنحل وصار مثل الهدبة، فقال موسى بن عمران عليه السلام للمسمن: ما الذي أرى بك من حسن الحال في بدنك ؟ قال: حسن الظن بالله، وقال للآخر: ما الذي أرى بك من سوء الحال في بدنك ؟ قال: الخوف من الله، فرفع موسى بيده إلى الله فقال: يا رب قد سمعت مقالتهما فأعلمني أيهما أولى ؟ فأوحى الله إليه: صاحب حسن الظن بي.

يارب هذه اكفنا رفعناها في هذه الليلة متوجهين إليك بما علم أمير المؤمنين عليه السلام كميل بن زياد:( هَيْهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُ بِكَ وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا مُشْبِهٌ لِما عامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدينَ مِنْ بِرِّكَ وَاِحسانِكَ).

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *