شرح دعاء الليلة السادسة والعشرين

دعاء الليلة السادسة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.

ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار).

العبد المؤمن يعرف أن للقلوب تحولات كثيرة تخرجه من لذة الهداية إلى غصة المعصية، فدوام دعائه أن يثبت على الهداية الحقة من الإيمان والولاية لمحمد وآل محمد.

روي عن هشام ابن الحكم في وصية الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا- رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ، وَ لَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً وَ سِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقاً، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَ‏ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ.

البقاء الثابت على الإيمان في القلب هو من أصعب ما يمر به المؤمن وهو في ضيافة الرحمن وآخر ليالي هذا الشهر الفضيل لذلك يسأل الله الرحمة في بقائه على ولاية محمد وآله عليهم السلام، وأن لا يزغ قلبه، فيكون من الأخسرين والذين حبطت أعمالهم.

روي عن أبي بصير، عندما سئل أبي جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: “هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع” قال عليه السلام: ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟ قال: قلت: يقولون مستقرّ في الرحم، ومستودع في الصلب. فقال عليه السلام: “كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه، فلا ينزع منه أبداً، والمستودع الّذي يستودع الإيمان زماناً ثمّ يسلبه، وقد كان الزبير منهم.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن الله جبل النبيين على نبوّتهم، فلا يرتدّون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان.

ينادي النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم إلى الإيمان بالله وما أؤتي به أنه الحق من عند الله عزوجل، ليغفر الله ذنوب العاصين ويمحي السيئات عنهم، ولكن هيهات من دون ولايتهم لأهل البيت عليهم السلام والثبات فيها، لأنه سيكون معرّضاً للتزلزل عند عصف الأهواء، وهزاهز اللأواء، وعندها سيدخل العبد في دائرة الخطر والخوف على الإيمان الذي ينادي به رسول الله صلى الله عليه وآله، لكثرة الشكوك والشبهات التي تعرض عليه، كما حدث لبلعم بن باعوراء.

روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى عليه السلام وأصحابه قال فرعون لبلعم: ادعُ الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى عليه السلام فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويل لك على ما تضربني؟! أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟! فلم يزل يضربها حتى قتله، وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه وهو قوله: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِه ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ وتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، وهو مثل ضربه الله، فقال الإمام الرضا عليه السلام: فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمارة بلعم وكلب أصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وهو يعذبهم ، وكان للشرطي ابن يحبه فجاء ذئب فأكل ابنه، فحزن الشرطي فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما أحزن الشرطي.

قال ابن عباس دخل الذئب الجنة بأكله لابن الشرطي فلو أكل الشرطي لرفعه الله تعالى إلى عليين، والشرطي من أعوان الظلمة من الشرطة، وهي: العلامة لأنهم يعلمون أنفسهم بعلامات يعرفون بها.

لا يكون العبد في ما يتمنى أن يكون مع الأبرار إذا لم يثبت في تمسكه باعتقاده للحق في زمن غيبة ولي الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتزامه الكامل بما أمروا به شيعتهم.

روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين).

يشار إلى أن الإيمان بالله، والتصديق بالأنبياء، والإيمان بالمعاد، ومراعاة حق عبادة الله، والإيمان القلبي والطاعة العملية للمؤمنين، والمغفرة، وعدم تحميلهم العبادة أكثر من طاقتهم.

روي عن الإمام الصادق أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

والإصر قيل: العهد المؤكد الذي يثبط ناقضة عن الثواب والخيرات، وتعقيد الأمر عليه، كما حملته على الذين من قبلنا، في الأمم كبني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة.

وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: ربنا إلى آخر الآية.

فقاعدة اللطف تقتضي إعلام العباد بما فيه صلاحهم وما فيه فسادهم لطفاً بهم، فكل شيء يترتب عليه صلاحهم يرشدهم إليه، وكل شيء فيه فسادهم ينهاهم عنه، ومن هنا اقتضت قاعدة اللطف بعث الرسل والأنبياء ليتم البلاغ على أيديهم، فيبشرون الناس وينذرونهم، ويبلغون لهم الأحكام، فوجود الأنبياء في الأرض يمثل اللطف الإلهي، فعلى هذا يكون كلُّ لطف واجباً فعله.

ومن كلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السَّلام إشارة إلى هذا قال عليه السَّلام: “أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأَن يعرّفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي6. والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلا بالترغيب، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك.

والنصرة لا تكون إلا من الله عزوجل على الكافرين، فدعاء الافتتاح للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه: “اللهمّ أعزّه واعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصرًا عزيزًا، وافتح له فتحًا يسيرًا، واجعل له من لدنك سلطانًا نصيرًا… وانصرنا به على عدوّك وعدوّنا… وأعنّا على ذلك بفتح تعجّله… ونصرٍ تعزّه وسلطان حقٍّ تظهره.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا صل على محمد وآل محمد واستجب دعاءنا واغفر لنا ولوالدينا وولدنا وما ولدوا إنك أنت الغفور الرحيم).

من الأمور التي يعمل بها المؤمن هو كثرة دعائه لأبويه وذريته بالعفو والمغفرة، وقد أولى أئمتنا عليهم السلام المزيد من الاهتمام في الدعاء والابتهال إلى الله، لأنه من أنجع الوسائل وأعمقها، في تهذيب النفوس، واتصالها بالله تعالى.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات، لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى، دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم، يقول الله عز وجل: «لأنتقمن لك، ولو بعد حين » ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله.

اللهم اجعلنا من الذين كثرت أدعيتهم الصاعدة إليك، ممن استجبت لهم ولوالديهم وما ولدو وذرياتنا وإخواننا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *