شرح دعاء الليلة السابعة والعشرين

دعاء الليلة السابعة والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً، ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ، صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنا اصرف عنٰا عذٰاب جهنم إن عذٰابهٰا كٰان غرٰاماً، ربنٰا هب لنٰا من أزوٰاجنٰا وذريٰاتنٰا قرة أعين واجعلنٰا للمتقين إمٰاماً).

المؤمنون الذين هم مع اجتهادهم في العبادة يخافون الله فيدعونه أن ينجيهم من عذاب جهنم، حيث إن عذابها يلازم صاحبه، لشدة ما سمعوا عن جهنم فتراهم مشفقين خاشعين لاحول ولا قوة لهم إلا بالله، ومجتهدين بالابتعاد عن كل شيء يولجهم النار.

روي عن عُبيد بن زُرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) عَنِ الْكَبَائِرِ؟

فَقَالَ: “هُنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) سَبْعٌ:

–  الْكُفْرُ بِاللَّهِ، وَ قَتْلُ النَّفْسِ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَ أَكْلُ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً، وَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ.

كل ما يلزم المؤمنين من التزام الأوامر والابتعاد عن النواهي التي وردت إليهم من الشرع الشريف تزيدهم إصرارا على عدم فعل مثل تلك الأفعال.

روي عن الإمام الرِّضَا عليه السلام، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله): مَنْ أَذَلَّ مُؤْمِناً، أَوْ حَقَّرَهُ لِفَقْرِهِ وَ قِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، شَهَرَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

إن صرف أهوال جهنم وما يفزغ منه المؤمنون بأعمال وأمور عدة، توجب لهم الابتعاد عما خافوا منه ألا وهو لزوم عذاب جهنم لهم، فيطمئنوا بما ينطق به أهل المودة والثقلين عليهم السلام، عند التزامهم بالأعمال الحسنة والأخلاق الحميدة.

روي عن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنَّهُ قال: “مَنْ أَدْمَنَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ غَشَّاهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، وَ آمَنَهُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

روي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه السلام بالناس الصبح بالعراق، ثم انصرف فوعظهم، فبكى وأبكى من خوف الله تعالى، ثم قال: أما والله، لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلى اللهّ عليه وآله، وأنهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون وجلون مشفقون.

المؤمنون الراغبون إلى ما ينفعهم والممتثلين لقول الله تعالى في سورة الزمر: { فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، تنير قلوبهم بما ينطق به سيد الكلام الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بتنبيهات قال فيها:

• فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ‏  بِوَدَاعٍ .

• وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ  وَ غَداً السِّبَاقَ ، وَ السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةُ النَّارُ.

• أَفَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ‏ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ  .

• أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ‏  .

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ ، فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ ، وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ.

• أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ  .

• أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَ لَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا .

• أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ ، وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَ.

• أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ‏ وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ.

• وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ ، اتِّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ‏  غَداً.

فوز الصائمين في شهر رمضان المبارك بصبرهم وحلمه، يرون جزائه فيطمعون به وهم في أواخر هذه الأيام والليالي.

روي عن رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) قال: مَا مِنْ عَبْدٍ صَالِحٍ يُشْتَمُ فَيَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، لَا أَشْتِمُكَ كَمَا شَتَمْتَنِي، إِلَّا قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: اسْتَجَارَ عَبْدِي بِالصَّوْمِ مِنْ شَرِّ عَبْدِي، فَقَدْ أَجَرْتُهُ مِنَ النَّارِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النور: {وانكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِن عِبادِكُم وإمائكُم}.

المؤمنون المتقون الذين يحبون أن تبقى ذكراهم موجودة بعد مماتهم لأنهم يعلمون أن الله عزوجل قهرعباده بالموت والفناء، فيسعون إلى اختيار الزوجة الصالحة التي تستثمر صلاحها في تربية وتنشئة ذرية طيبة، ذات أخلاق حسنة، لأنها رسالة نبيهم صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم.

روي عن النبي صلی الله عليه وآله قال: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

روي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: أتى رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يستأمره في النكاح، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم  ): نعم انكح وعليك بذوات الدين تربت يداك.

المؤمنون الموالون يدعون الله في هذه الليالي المباركة أن يهبهم ذرية تكون من أنصار أمام زمانها المسارعين في قضاء حوائجه الذابين عنه والمستشهدين بين يده لأنه الغائب عنا فزادهم شوقا فدعاء يعقوب أن يرى يوسف هو دعاءهم أن يروه وتكون ذراريهم من أعوانه، وممن يلقون نبيهم صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم فيكونون من أصحابه.

روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال : لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدُهم أشدُّ بُقيَةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا ، أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة .

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه: (ربنٰا عليك توكلنٰا وإليك أنبنٰا وإليك المصير، ربنٰا لٰا تجعلنٰا فتنةً للذين كفروا، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ).

توكل المؤمنين في مصيرهم وأنابتهم لله وألا يكون من الذين يسلط عليهم الكافرين فيؤذوهم.

روي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: وقال موسى لقومه يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين وقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين فان قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقالوا: لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم.

فقال موسى لقومه: يا قوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين.

إن من أهم التعاليم التي يتربى عليها المؤمنون هو الدعاء لإخوانهم الماضيين و الذين سبقوهم بالإيمان، وهؤلاء لهم صفات ينطق بها أمناء الرحمن.

روي عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: “المؤمن يصمت ليسلم، وينطق ليعلم، لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته من البعداء، ولا يعمل شيئاً من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً، إن زكي خاف مما يقولون، ويستغفر الله مما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله، ويخاف إحصاء ما عمله.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمن كمثل شجرة لا ينحات ورقها في شتاء ولا صيف، قالوا: يا رسول الله، وماهي ؟ قال: النخلة.

إن المؤمنين بدعائهم لبعضهم البعض ينجون، هذا ما وعدهم الله ورسوله.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وإنّ العبد المؤمن ليُؤمر به إلى النار يكون من أهل المعصية والخطايا ، فيُسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات : إلهنا !.. عبدك هذا كان يدعو لنا فشفّعنا فيه ، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه ، فينجو من النار برحمة من الله عزّ وجلّ.

روي عن الإمام قال أبو الحسن عليه السلام قال: مَن دعا لإخوانه من المؤمنين وكل الله به عن كلّ مؤمنٍ ملكاً يدعو له ، وما من مؤمنٍ يدعو للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، إلاّ ردّ الله عليه من كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ حسنة ، منذ بعث الله آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة . 

المؤمنين عارفين بحقوق أخوتهم تراهم ملتزمين بما أمروا به من الدعاء، بظهر الغيب.

روي عن عبد الله بن جندب قال : كنت في الموقف فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه ، وكان مصاباً بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنّها علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك ، وأنا مشفقٌ لك على الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلاً .

قال : لا والله يا أبا محمد !.. ما دعوت لنفسي اليوم بدعوةٍ ، فقلت :فلمَن دعوت ؟.. قال : دعوت لإخواني ، سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليه ‌السلام يقول : مَن دعا لأخيه بظهر الغيب وكّل الله به ملكاً يقول : ولك مثلاه ، فأردت أن أكون إنّما أدعو لإخواني ، ويكون الملَك يدعو لي ، لأنّي في شكٍّ من دعائي لنفسي ، ولست في شكٍّ من دعاء الملك لي . 

روي عنه صلى الله علیه وآله في دعائه:(صل على محمد وآله واستر علي ذنوبي وعيوبي واغفر لي بحق محمد وآل محمد إنك أنت الرؤوف الرحيم ).

المؤمنون الذين يلهجون بطلب ستر عيوبهم والغفران بآخر أيام شهر رمضان يعلمون أن بفعلهم الذي يتركوه من كشف ستر أخيهم المؤمن، والتشهير به لهم حظ.

روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: من ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة.

موعظة الكلام ترجع إليهم فهم القرآن الناطق والحق منهم وإليهم فيعرفوننا معان تنجينا من سخط الله.

ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قال:

  يا عبد الله! لا تعجل في عيب أحد بذنبه، فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية، فلعلك معذب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشكر شاغلاً على معافاته مما ابتلي به غيره، فلا يستعجل الإنسان بفضح أخيه لعله أفضل منه، وقد يكون قد تاب وغفر الله له، فيكسب الشاهر الذي ينشر الأقاويل والتحدث عن هذا وذاك سخط الله وغضبه.

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *