شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السابعة* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً ، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً لَاخائِفاً وَلَا وَجِلاً ، مُدِلّاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ، فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّي عَتَبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الْأُمُورِ ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلَى عَبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ ، يَا رَبِّ.

روي عنه عليه السلام في دعائه: فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً ، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً لَاخائِفاً وَلَا وَجِلاً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.

لما كانت المعرفة للعبد أن الدعاء هو السبيل الوحيد إلى مخاطبة الخالق لتعاليه واستعلائه على مخلوقاته ، لم تجز مخاطبته كما يتخاطب الناس فيما بينهم ولا محادثته ، لأن المخاطبة والمحادثة لا يفيدان في طلب شيء من الذات الإلهية ، كأن تقول خاطبت أو حادثت مستشعرا فيهما التساوي والندية ، في حين أنك إذا قلت دعوت، أو ناجيت ،أو توسلت، أو تضرعت ، فهي لائقة بالمقام الإلهي و منصرفة إليه.

فهذا الآمان والاستئناس من عطاء الله ومما أنزله من كرمه على قلب عباده كي يفزعوا إليه.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يذكر عن ربه عزوجل قال: يابن آدم إنك إن سألتني أعطيتك وإن لم تسألني غضبت عليك.

وروي عن أبي جعفر الباقر عليهما السلام قال: ما من شيء أحب إلى الله من أن يُسأل ويُطلب ماعنده، وما أحد أبغض إلى الله عزوجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ماعنده. 

الخوف والوجل من الأمور الواجبة بين العبد وربه، كي يعلم مقامات والصفات لله ومرجعه إليه فيكف عن ارتكاب المحرمات ودخول المعاصي، وفي مقام الدعاء فإن هذا الخوف والوجل قد رفعهما الله للعبد لكي يطلب ويلح عليه في حاجاته الدنيوية والأخروية إن كانت قليلة أو كثيرة.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الجمعة: {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، فأكثروا من الدعاء.

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رحم الله عبداً طلب من الله عز وجل حاجة فألح في الدعاء، استجيب له أو لم يُستجب له، وتلا هذه الآية: {وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الله عزوجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحب ذلك لنفسه، إن الله عزوجل يجب أن يُسأل ويطلب ماعنده. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: مُدِلّاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ ، فَإِنْ أَبْطَأَ عَنِّي عَتَبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ. 

المعرفة التي أوردها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ في النفوس إذ كان  صلى الله عليه وآله المتعهد  والدال على الله من خلال باب الدعاء الذي فتحه المولى سبحانه وتعالى بينه وبين خلقه، حاثا  صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته على الطلب منه، والرجاء لديه.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {قُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ}.

يدل هذا الفعل من العبد على الله في قصده، حيث قد سبق الفعل وصدر من أنبياء الله وقد ذكره الله في مواضع كثيرة في كتابه العزيز، من آدم عليه السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله. 

أذكر بعض منها لثبيت أن هذه الأفعال قد فعلها رسل الله عليهم السلام: 

دعاء توبة النبي آدم -عليه السلام- إلى الله تعالى، قال تعالى: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

للنبي موسى – عليه السلام- الكثير من الأدعية في القرآن الكريم، وهذه الأدعية منها:

(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). 

(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).

إنّ أدعية خاتم الأنبياء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن كثيرة منها: 

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).

(وَقُل رَبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَل لي مِن لَدُنكَ سُلطانًا نَصيرًا).

فبعد عرض ما تقدم نعرف عظمة الأفعال التي توصلنا  في هذا الشهر وغيره من الشهور ولخصوصية شهر رمضان من مضاعفة الأجر وغلق أبواب النار.

روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ عن جبرائيل عن الله عز وجل قال: يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديته ، فاسألوني الهدى أهدكم ، وكلكم فقيرٌ إلا من أغنيت ، فاسألوني الغنى أرزقكم ، وكلكم مذنبٌ إلا من عافيته ، فاسألوني المغفرة أغفر لكم .

ومن علم أني ذو قدرة على المغفرة ، فاستغفرني بقدرتي غفرت له ولا أبالي ، ولو أنّ أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا على إنقاء قلب عبدٍ من عبادي ، لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة .. ولو أنّ أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا على إشقاء قلب عبدٍ من عبادي ، لم ينقصوا من ملكي جناح بعوضة .

ولو أنّ أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا فتمنّى كلّ واحدٍ ما بلغت أمنيته فأعطيته ، لم يتبين ذلك في ملكي ، كما لو أنّ أحدكم مرّ على شفير البحر ، فغمس فيه إبرة ثم انتزعها ، ذلك بأني جوادٌ ماجدٌ واجد ، عطائي كلام وعداتي كلام ، فإذا أردتُ شيئاً فإنما أقول له: كن فيكون. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَأَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الْأُمُورِ ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلَى عَبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ ، يَا رَبِّ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة هود: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. 

لمّا علمت أن الخالق تعالى عندما أمرنا بعبادته ودعائه، تكفّل بالقبول والإجابة، تبين بعد طول المدة وفقدان النتيجة ، أن العلّة تكمن في نفسك حسب ما حملتها من زاد، أما النفس فهي متمرّدة على مقام العبوديّة جموحة ميّالة إلى عاجل الدنيا، فإذا لم توطّنها في مقامها وتسلك بها طريق الآخرة شردت بك إلى المهالك. 

فإن تأخر علينا استجابة الدعاء أو يكون تأخير الإجابة لمصلحة يعلمها الله فتكون منجية لنا في مواطن تحتاجها.

لأن المولى سبحانه و تعالى لا ينظر إلى أشكالنا ولا ألواننا، ولكنه ينظر إلى أفئدتنا، فإن فيها مستقر اليقين، وبصائر الأخلاق في العبادة والدين، وصبر الله علينا في لؤم تعاطينا في الأمور العبادية.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: دعوة العبد المسلم لا ترد إلا بإحدى ثلاث، مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم، إما أن يستجاب له فيما دعا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعا. 

وروي عن  أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته، شوقا إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي! دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب. 

ونحن في هذا الأيام والليالي نرفع أكفنا سائلين الله بأسمائه الحسنى أن لا يُأخر لنا استجابة دعائنا بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

وفي رواية عن دعبل بن علي الخزاعي قال : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى ( عليه السلام ) قصيدتي التي أولها : 

مدارس آيات خلت من تلاوة         ***        ومنـزل وحي مقفر العرصات 

فلما انتهيت إلى قولي : 

خروج إمام لا محالة خارج         ***         يقوم على اسم الله والبركات 

يميّز فينا كل حق وباطل         ***         ويجزي على النعماء والنقمات 

بكى الرضا ( عليه السلام ) بكاء شديداً ، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت : لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً ( كما ملئت جوراً ). 

فقال ( عليه السلام ) : يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ).

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *