شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثامنة* 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلَا أَقْبَلُ مِنْكَ كَأَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذٰلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالْإِحْسانِ إِلَيَّ ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.   

روي عنه عليه السلام في دعائه: إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلَا أَقْبَلُ مِنْكَ كَأَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْك. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: ﴿أَفَغَيْرِ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرجَعُونَ﴾.

رسم الله عز وجل في كتابه المبين معاني عدة للطاعة منها دعوة العبد إليه رغم ابتعاد هذا العبد عما يريده الله له، فتحبب إليه كي يرجع عما هو فيه من الذنوب والمعاصي فتبغض العبد إلى ربه، واشتد في ارتكاب الموبقات، فتودد إليه فلم يقبل معتبرا ما يصدر لا يكون ضمن منظوره المنحرف الذي يصل به إلى الدخول في شبكة الشيطان التي رسمها لنفسه، ومع ذلك، لوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا والآخرةِ ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم ، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ ، وَأَذِنَ لهم في مُنَاجَاتِهِ كلَّ وقتٍ أَرَادُوا ، وَكَتَبَ لهم بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً ، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنةً .

وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ ، ولوْ لَقِيَهُ بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم . 

فَإنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً . 

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال الله سبحانه وتعالى: يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة. 

قيود الأنانية والخروج من سجنها الضيق التي تشد العبد إليها، وتستعبده ليصل  بتطاوله على خالقه إلى طريق يصعب العودة فيها.

وتصبح حاجته إلى تقديم ماينفعه حاجة ملحة كي يكتشف حقيقته و العبد عندما يتعبد إنما يعبِّر عن حقيقة الموقف الإيماني أمام بارئه، وعلاقة العبادة به، ليعيش العبودية كلها متمثلة بالتنازل عن أنانيته التي تسجنه.

فالكلام يدخل في صميم ما يدور، فيعلم هذا العبد أنه لا ملجأ له  إلا الله، ففي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم الجمعة بعد أن أتمها وكانت خطبةً بليغة… فقام إليه رجلٌ فقال : صدقت يا أمير المؤمنين، أنت القبلة إذا ما ضللنا ، والنور إذا ما أظلمنا ، ولكن نسألك عن قول الله تعالى : { ادعوني أستجب لكم } فما بالنا ندعو فلا يجاب ؟ قال عليه السلام: إنّ قلوبكم خانت بثمان خصالٍ : 

أوّلها : أنّكم عرفتم الله فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم ، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئاً . 

والثاني : أنكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنته وأمتّم شريعته ، فأين ثمرة إيمانكم ؟ 

والثالثة : أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم فلم تعملوا به ، وقلتم : سمعنا وأطعنا ثمّ خالفتم . 

والرابعة : أنكم قلتم أنكم تخافون من النار ، وأنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم فأين خوفكم ؟ 

والخامسة : أنكم قلتم أنكم ترغبون في الجنّة ، وأنتم في كلّ وقتٍ تفعلون ما يباعدكم منها ، فأين رغبتكم فيها ؟ 

والسادسة : أنكم أكلتم نعمة المولى ولم تشكروا عليها . 

والسابعة : أن الله أمركم بعداوة الشيطان وقال : { أنّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّاً } فعاديتموه بلا قول ، وواليتموه بلا مخالفة . 

والثامنة : أنكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم ، وعيوبكم وراء ظهوركم ، تلومون مَن أنتم أحقّ باللوم منه ، فأيّ دعاء يُستجاب لكم مع هذا ؟وقد سددتم أبوابه وطرقه ؟

فاتّقوا الله ، وأصلحوا أعمالكم ، وأخلصوا سرائركم ، وأمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، فيستجيب الله لكم دعاءكم. 

وروي عنه عليه السلام في دعائه: فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذٰلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالْإِحْسانِ إِلَيَّ ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ. 

فرغم كل هذا التباعد والجحود ودوام الاثم والمعصية من العبد فان رحمة الله وفضله لا تنقطع عن العبد، وهذا الباب من نعم الله الكبرى وألطافه العظمى التي وهبها لعباده، لأنه لو يؤاخذ الله عباده بذنوبهم لهلكوا ولما نجا منهم إلا القليل ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ﴾، رأفةً بهم وإحساناً إليهم، لأنه لطيفٌ بعباده، عطوفٌ عليهم.

روي عن الإمام السجاد (عليه السلام) قال: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وسعة رحمة الله عز وجل.

أن لله تبارك وتعالى رحمة عامة لكل مخلوقاته، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ منها رَحْمَةً وَاحِدَةً بيْنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ علَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَومَ القِيَامَةِ. 

وتعتبر الضيافة من أجلى مظاهر الكرم، وهي من الصفات التي تغنت بها الشعراء وخلدت أناسا في كتب التاريخ، وفوق هذا كله فالضيافة مما ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثت عليها الديانات الإلهية، وهي وسيلة من والوسائل إلى رضا الله تعالى، ونحن يارب في هذا الشهر الفضيل في ضيافتك وأنت الجواد الكريم اغفر لنا ماتقدم وماتأخر .

روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): ما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.

مراحل العبد في طاعة تتمثل بعدة فوارق ملزمة له فجهله بعلمه من طاعة الله والامتثال لأوامره والكف عن المحرمات من دون عمل الا وهو الجهل بعينه. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): قال رجل: يا رسول الله!

ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم، قال:

فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل.

فهذا الجهل من العبد فتح الله للعبد أمور وأن كانت عامة مطلقة، ولكنه خصصها له في الرجوع إليه بفضله وإحسانه، بوقتا مخصوص للتوبة ورفع هذه النفس من جهلها إلى العلم، فقرينة ذلك جعل ساعات لسرعة الاستجابة وأياما لقبول الدعاء، وشهرا هو خير من ألف شهر وهو مانحن فيه فكل نفعا للعودة  للعبد يكون من فضل الله وكرمه. 

روي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي عليهم السلام قال: ينادي منادٍ حين يمضي ثلث الليل: ياباغي الخير أقبب ياطالب الشر أقصر ، هل من سائلٍ فيُعطى؟ حتى تطلع الشمس. 

ومن الأيام ما جعل الله له خصوصية يوم الجمعة.

روي عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن فاطمة الزهراء عليها السلام قالت: سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل اللع عزَّ وجلَّ فيه خيراً، إلا أعطاه إيّاه قالت: فقلت: يا رسول الله، أيّة ساعة هي؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: إذا تدلى نصف عين الشمس للغروب. 

قال: فكانت فاطمة عليها السلام تقول لغلامها: اصعد على الظراب، فإذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فأعلمني حتى أدعو. 

ومن الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (أن أبواب السماء تفتح في أول ليلة من شهر رمضان ولا تغلق إلى آخر ليلة منه).

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار) .

وروي عن المسمعي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يوصي ولده ويقول : إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فيه فان فيه تقسيم الأرزاق ويثبت الآجال ويكتب وفد الله الذين يفدون إليه وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في الف شهر. 

ونحن في هذا الشهر نرفع أكفنا بالدعاء لله، أن يجود علينا بكرمه وإحسانه بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه، ونكون من العالمين به غير منكرين. 

روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال :  أما والله ليغيبنّ عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم : ما لله في آل محمد حاجة ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *