شرح دعاء الافتتاح  *الحلقة التاسعة* 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ مالِكِ الْمُلْكِ ، مُجْرِي الْفُلْكِ ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ ، فالِقِ الْإِصْباحِ ، دَيَّانِ الدِّينِ ، رَبِّ الْعالَمِينَ. الْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلىٰ حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلَىٰ عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلَىٰ طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ وَهُوَ قادِرٌ عَلَىٰ مَا يُرِيدُ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.    

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ مالِكِ الْمُلْكِ ، مُجْرِي الْفُلْكِ ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ ، فالِقِ الْإِصْباحِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الفتح: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

اعتبار وجوب شكر المنعم على العبد أمراً فطرياً وعقلياً، دافعاً إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، لأن النعم تهدينا إلى معرفة الله، وأنها أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه، وخاصة ما يرتبط بوجود النعم في حياة المؤمن.

ومن تلك النعم معرفة أن الله هو ملك الملوك وكل شيء خاضعٌ له سبحانه، وقد دلت الآيات القرآنية على ذلك، وفي بعض الروايات الواردة عنهم عليهم السلام.

روي عن الإمام  الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك توبوا إلى أعطف قلوبهم عليكم. 

وروي عن أبي حمزة عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: أيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم نقمة ألا لا تولعوا أنفسكم بسب الملوك توبوا إلى الله عز وجل ليعطف بقلوبهم عليكم.

ونحن في أيام هذا الشهر الفضيل نطلب من الله أن يمن علينا في ملكية القلوب، فالمؤمن العابد يتمنى من الله عز وجل أن يعطيه قدرة جلب القلوب، وبالأخص القلوب الوالهة للهدى الإلهي، وهذه من النعم الكبرى للمؤمن أن تتجاوب معه قلوب الساعين لمعرفة مايتوجب عليهم لله.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يؤلف ولا يألف.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا؛ فإن الحديث جلاء القلوب. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في لقمان: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ  لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}

وقال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس:{حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}.

المؤمن من خلال معرفته أن الذي أجرى الفلك وسخر الرياح لتسوق هذه اللواقح من بلد إلى بلد، بحراً كانت أو جواً ومع مانحن فيه في عصرنا من الأساطيل التي تجوب البحار، ويطير منها في السماء كل هذا الوجود الثقيل ، ونظراً لخاصيته من رخص كل هذا وجعل هذه الخاصية غير الله سبحانه وتعالى. 

وقد فصل لنا أئمتنا عليهم السلام عن الرياح.

روي عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرياح الأربع الشمال والجنوب والصبا والدبور وقلت له: إن الناس يقولون إن الشمال من الجنة والجنوب من النار ، فقال عليه السلام : إن لله عز وجل جنودا من الريح يعذب بها من عصاه موكل بكل ريح منهن ملك مطاع فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوما بعذاب أوحى الله إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح الذي يريد أن يعذبهم به فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب ولكل ريح منهن اسم أما تسمع لـقول الله عز وجل { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ }1 وقـال عز وجل { الرِّيحَ الْعَقِيمَ }2 وقـال تعالى { فَـأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ }3 وما ذكر في الكتاب من الرياح التي يعذب بها من عصاه ، ولله عز وجل رياح رحمة لواقح ورياح تهيج السحاب فتسوق السحاب ورياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ورياح تعصره فتمطره بإذن الله ورياح تفرق السحاب ورياح مما عد الله عز وجل في الكتاب ، فأما الرياح الأربع فإنها أسماء الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور وعلى كل ريح منهن ملك موكل بها فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله عز وجل في البر والبحر ، وإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يبعث الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله تعالى في البر

والبحر ، وإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الجنوب حيث يريد الله في البر والبحر ، وإذا أراد الله عز وجل أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله تعالى في البر والبحر.

روي عنه عليه السلام في دعائه: دَيَّانِ الدِّينِ ، رَبِّ الْعالَمِينَ، الْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلىٰ حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلَىٰ عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلَىٰ طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ وَهُوَ قادِرٌ عَلَىٰ مَا يُرِيدُ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ }

ان الدين الذي شرعه الله عز وجل هو الإسلام وكل الأديان منذ خلق الخلق دين واحد لا خلاف فيه عند المنصفين، وقد أرسل هذا الرب الكريم الرسل لتثبيته، وتقويته فكانوا هم الدالين عليه لوجوب معرفة المؤمن بالدين وهو ما اطلق التوحيد في دين الله، فأعطانا الله خير نعمة لمعرفته عن طريق {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}.

روي  عن أبي بصير قال :  سأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) فقال له : جعلت فداك ، أخبرني عن الدين الذي افترض الله عز وجل على العباد ، ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ما هو ؟ فقال : أعد علي ، فأعاد عليه ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان ، ثم سكت قليلا ، ثم قال : والولاية مرتين. 

إنّ لله تعالى العديد من الأسماء وهي مفاهيم، وتعدّد هذه الأسماء لا يوجب تعدّد الذات الإلهية التي هي مصداق لهذه الأسماء والمفاهيم،إذا الله تعالى عالم بالأشياء قبل إيجادها، ولكنّنا نجهل كيفية ذلك، لأنّ هذا العلم يرتبط بذات الله تعالى، وعلم الله خاصا به يعطي منه لمن شاء من رسله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنفال: { إنّ الله بكل شيء عليم }. 

وروي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: “قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: يقول اللّه تبارك وتعالى: يابن آدم ما تنصفني، أتحبب اليك بالنعم، وتتمقت اليّ بالمعاصي، خيري عليك مُنزَل، وشرّك اليّ صاعد، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح، يابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك، وأنت لا تعلم من الموصوف، لسارعت الى مقته. 

في معرفة العبد غوائل الذنوب والخطايا كما صدرت منه وهو ينتظر غضب الله عليه ترى حلم الله قد سبق مع علمه أن هذا العبد قد اقترف الذنوب، فيعفو عنه لأنه القادر على عقابه ولكنه أوجب الرحمة والمغفرة على نفسه كما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام.

روي عن محمد بن مسلم قال: قال الإمام الباقر عليه السلام: “يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما واللّه إنها ليست إلا لأهل الإيمان.

قلت: فان عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب، وعاد في التوبة. فقال: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر اللّه تعالى منه ويتوب ثم لا يقبل اللّه توبته!! قلت: فانه فعل ذلك مراراً، يذنب ثم يتوب ويستغفر. فقال: كلّما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة، عاد اللّه عليه بالمغفرة، وإنّ اللّه غفور رحيم، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، فإيّاك أن تُقنّط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى.

ونحن في هذه الأيام والليالي الفضيلة نرفع أكفنا إلى الله تعالى بالدعاء أن يعفو عنا ويقدر لنا بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشریف.

روي عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) قال:  منا اثنا عشر مهدياً أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحق ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون ، له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أما ان الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *