شرح دعاء الافتتاح *الحلقة العاشرة* 

 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ خالِقِ الْخَلْقِ ، باسِطِ الرِّزْقِ ، فالِقِ الْإِصْباحِ ، ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعامِ ، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرىٰ ، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوىٰ ، تَبارَكَ وَتَعالىٰ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.     

روي عنه عليه السلام في دعائه:الْحَمْدُ لِلّٰهِ خالِقِ الْخَلْقِ ، باسِطِ الرِّزْقِ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الروم:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

الحمد لله كلمة تكون مفتاح كل شكر لله على نعمه أن وفقنا لحمده وشكره، وهي بحد ذاتها نعمة منه سبحانه.

إن البرهان على خلق الله عز وجل للخلق لم يحتج إلى حجة لأن الأثر يدل على الواجد كما ورد ذلك في كتاب الله وروايات أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذه المعرفة أتت من خلال رسل الرحمن على العباد لتنير درب السائلين عن حقيقة الأمور، عكس الذين ينظرون إلى الأمور من زاوية واحدة أن الفعل لم يصدر من الخالق، مع ما هنالك من حجج تراهم يؤمنون بالمصنوع ويتناسون الصانع، ينذهلون بالخلق ولا يعبؤون بالخالق.

والله سبحانه وتعالى قد بين لنا في كتابه العزيز أسرار وقوانين معجزة الخلق، وعلمها لرسله و علمونا اياها، وقد قال تعالى في كتابه المبين في سورة الطور: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ}. 

تبارك الله أحسن الخالقين، الذي خَلَقَ الخلقَ مِن لا شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير.

وفي هذه المضامين نصوصٌ جليلةُ مباركةٌ تأخذ باللطائف العقل، فترشدنا إلى حقائق الأمور فنحلق في سماء المعرفة ودائرة العلوم، التي أرادها لنا أهل البيت عليهم السلام.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: كلُّ صانع شيء فمن شيء صَنَع، واللهُ لا من شيءٍ خَلَق ما صَنَع. 

وروي عن الإمام عليّ عليه السلام قال:  بصنع الله يُستدلُّ عليه، وبالعقولِ تُعتقد معرفته، وبالفكرة تثبت حجَّتُهُ، وبآياته احتجَّ على خلقه.

فالعبد المتفكر في عظيم خلق الله تعالى، وينظر إلى آثار خلقه وموجوداته لأدرك البراهين الكبرى في الخلق.

روي عن أمیرالمؤمنین عليه السلام قال: ولو فكَّروا في عظيم القدرة، وجسيم النِّعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوبَ عليلةٌ، والأبصار مدخولةٌ.

 أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق: كيف أحكم خلقه وأتقَن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوَّى له العظم والبشر؟، انظروا إلى النملة في صغر جثَّتِها ولطافة هيئتها، لا تكاد تُنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر، كيف دبَّت على أرضها وضنت على رزقها.. لو فكَّرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأُذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً.. 

فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف الليل والنهار، وتفجُّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرُّق هذه اللغات والألسن المختلفات. فالويلُ لمن أنكر المقدّر، وجحدَ المُدبّر، زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع ولا لاختلاف صورهم صانع، لم يلجأوا إلى حجَّة فيما ادّعوا، ولا تحقيق لما وَعَوا، وهل يكون بناءٌ من غير بانٍ أو جنايةٍ من غير جانٍ.

والبحث يطول لا يسعني المقام، ولكن بعد هذه المعرفة وعلمنا المتراكم بتعلمنا الذي أراده لنا أئمتنا عليهم السلام، وإلى الكثير من الآيات والنصوص التي تشيرُ إلى هذه المعاني الرفيعة، التي لا يمكن لعقلٍ أن يجحدها، وفيها من البراهين والقطعيات ما لا يقوى عقلٌ على رفضِهِ أو منعه.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة  الإسراء: {إِنّ رَبّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: 

الرزق مقسوم على ضربين:

أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه.

والآخر معلّق بطلبه.

فالذي قسّم للعبد على كلّ حال، آتيه وإن لم يسع له.

والذي قسّم له بالسعي، فينبغي له أن يطلبه من وجوهه، وهو ما أحلّه اللّه له دون غيره، فإن طلبه من جهة الحرام فوجده، حُسب عليه برزقه وحوسب عليه.

خلق الله الخلق وتكفل برزقهم، وجعل لهذا الرزق قوانين كي تقوم عليه أسس صحيحة له لا تضر بالخلق وقد وردت بذلك آيات كثيرة وروايات توضح للعباد ذلك لأجل وصلهم إلى مرحلة الرضا بما قسم لهم.

وقسم هذا الرزق على قسمين: 

١_ رزق يتمّ الحصول عليه من دون طلب.

٢_ رزق لا يتمّ الحصول عليه إلاّ بطلب.

فأما الأول يشمل الرزق كالهدية والهبة والميراث وغيرها من الأرزاق التي يحصل عليها الإنسان من دون طلب.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: ورزق يطلبك ولن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب ولن يبطئ عنك ما قدّر لك.

وأما الثاني : إنّ النظام الإلهي العام في هذا العالم قائم على جعل الطلب والسعي شرطاً للحصول على الرزق . ولهذا فإنّ الخطوة الأولى المطلوبة للحصول على الرزق هي الطلب والسعي، وهو ما وضع له الله القوانين والأسس الصحيحة ليحصل العبد على كمال رزقه بما أراد الله له.

روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: طلب الحلال فريضة على كلّ مسلم ومسلمة.

روي عن علي بن عبد العزيز قال:  قال  لي أبو عبداللّه عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم؟.

قلت: جعلت فداك، أقبل على العبادة وترك التجارة.

فقال: ويحه أما علم أنّ تارك الطلب لا يستجاب له دعوة. إنّ قوماً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم  لما نزلت {وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}أغلقوا الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كُفينا.

فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟!

قالوا: يا رسول اللّه، تكّفل اللّه عزّ وجل بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة!

فقال: إنّه من فعل ذلك لم يستجب اللّه له، عليكم بالطلب.

ثمّ قال إنّي لأبغض الرجل فاغراً فاه إلى ربّه، يقول: ارزقني، ويترك الطلب.

فقواعد الرزق والتوكل على الله في السعي والطلب لها هي من الأمور التي أوجبها الإسلام على الفرد.

روي عنه عليه السلام في دعائه: فالِقِ الْإِصْباحِ ، ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعامِ ، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرىٰ ، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوىٰ ، تَبارَكَ وَتَعالىٰ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.

يشير القرآن إِلى نعمتي النّور والظلام والليل والنهار، ولكنّه هنا يتناول «طلوع الصبح» كنعمة من نعم الله الكبرى.

قد تم تعريف الإصباح بأنه المراد له، فالق ظلمة الاصباح ، وهو الغبش في اخر الليل ، وكأن الافق كان بحراً مملواً من الظلمة ، ثم انه تعالى شق ذلك البحر المظلم ، بأن اجرى فيه جدولاً من النور .

لان الله عزوجل جعل الليل سكنا والنهار معاشا،

ونجد الحث في الآيات والروايات على تنظيم أمور الخلق في نومهم واستيقاظهم وهو من القوانين الإلهية للعباد.

روي عن الإِمام علي عليه السلام  قال: وهو يوصي أحد قواده  ولا تسر أوّل الليل فإِنّ الله جعله سكناً وقدره مقاماً لا ضعنا، فارح فيه بدنك وروح ظهرك.

روي عن الإِمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام أنّه كان يأمر بعدم ذبح الذبائح في الليل وقبل طلوع الفجر، وكان يقول: إِنّ الله جعل الليل سكناً لكل شيء.

أن من نعم الله على العبد أن جعل له وقت يتقرب فيه إليه ولا يكون من الذين لا يناجون ربهم.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المجادلة: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. 

روي عن أمیرالمومنین علیه السلام – عندما سَأَلَ الْجَاثَلِیقُ أَمِیرَ‌الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) فَقَالَ لَه : أَخْبِرْنِی عَنِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ أَیْنَ هُوَ فَقَالَ أَمِیرُ‌الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: هُوَ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا وَ فَوْقُ وَ تَحْتُ وَ مُحِیطٌ بِنَا وَ مَعَنَا وَ هُوَ قَوْلُهُ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنی مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما کانُوا فَالْکُرْسِیُّ مُحِیطٌ بِالسَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْض.

فالعبد فقير محتاج لفيض الله ورحمته تعالى بشكل دائم ومستمر، وفي كل الظروف والأحوال، وعلى هذا القلب أن يكون خاشعاً متوجّهاً لله تعالى، شاعراً بهذا الفقر وهذه الحاجة، ملتمساً لذلك الفيض وتلك الرحمة في جميع الظروف والحالات، عالما أن الله قريب من قلوب المؤمنين يسمع نجواهم.

روي عن الإمام الصّادق علیه السلام قال: ما یَکُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ فَقَالَ هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِیُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ بِذَاکَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَ هُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ مُحِیط. 

ونحن في أيام هذا الشهر الفضيل نطلب من الله  سامع  نجوانا أن يعجل فرج مولانا المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

روي عن يونس بن عبد الرحمن قال :  دخلت على موسى بن جعفر  عليه السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال : انا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله عزوجل ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها على نفسه ، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.

ثم قال عليه السلام  : طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *