شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الحادية عشر*

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ ، وَلَا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ ، وَلَا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الْأَعِزَّاءَ ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَماءُ ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مَا يَشاءُ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.     

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ ، وَلَا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ ، وَلَا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة النحل:﴿وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾.

الحمدلله الواحد الدال على وحدانيته في خلقه ولم يكن له منازع يشاركه أمر خلقه، وردت آيات في كتاب الله تدل على وحدانية الله والقصد من ذلك لتنبيه العباد أنه لوكان في السماوات والأرض آلهة أو منازع سوى الله تعالى، الذي هو خالق الأشياء كلها لفسدت السماوات والأرض بما فيهما ولدخلهما الخلل، والأثر اللازم من تولي آلهتين هو الفساد الطارئ على تنظيم الأمور للمخلوقات جميعا، وبما أن انتظام الأمور منتظم بأحسن ما يكون دل على ذلك العقل علم أن الإله المتصرف واحد لا إله إلا هو.

روي عن الإمام الصادق(عليه السلام):

عندما سأله سائل …إن قلت: إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا: متّفقين من كلّ جهة.

أو مفترقين من كلّ جهة.

فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر، دلّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد.

والدليل المشهور الذي استدل به هو دليل التمانع وقد وجه هذا الدليل على أنه لو كانا إلهين مستجمعين شروط الألوهية التي منها القدرة والإرادة لاختلف التنظيم، ووقع خلل في النظام من حيث العجز وعدم القدرة على الإصلاح ويمكن أن نقول تعلق قدرة أي منهما بالمقدور، تمنع من تعلق قدرة الاخر به والتمانع هو حصول المنع من كل طرف ليصح عليهما الخلاف والتضاد في المراد.

نصل إلى نتيجة واحدة كيف ما حصلت على عدم المنازع لله والمعادلة له والتشبيه تبارك الله أحسن الخالقين.

روي عن الإمام الصادق  عليه السلام قال: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرون هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من: إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الْأَعِزَّاءَ ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَماءُ ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مَا يَشاءُ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.

أن الدنيا دار تزاحم، ودفع من البعض للبعض من خلال اتخاذ منحا منحرف تضع أناسا في أماكن لم يردها الله لهم، فيعطوهم ألقابا ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد نبه الله تعالى من ذلك في سورة النساء: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾.

وقد أشار الله إلى ذلك في محكم كتابه العزيز بما جرى مع أنبيائه عليهم السلام، كنبي الله ابراهيم مع النمرود الذي وصل به الحال أن يقول أنا أحيي واميت فرد عليه نبي الله ابراهيم أن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر وكانت العزة بأجمل صورها أن صغر هذا المدعي وجعله أسفل سافلين، ومنها قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون الذي وصل به الحال أن يقول: أنا ربكم الأعلى، وقد رد عليه موسى بالحجج والبراهين، فعل الأنبياء أتى بأمر من الله كي يخرجوا الناس من حالة الذل إلى حالة العزة التي أرادها الله لهم، ومثل هؤلاء كثيرون يريدون أن يركبوا رقاب الناس بالذل فأحكموا على الموارد من المال والسلطة فأذلوا العباد وأحكموا عليهم.

ومثل هذا لا يريده الله بل يريد العزة للمؤمنين لأن العزة له والقدرة، فدلت الروايات الشريفة التي ترفع هذه النفوس إلى ما أراده الله لهم من العزة وكمالها.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزّ وجلّ فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أن يذل نفسه.

فالإسلام أراد العزة للمؤمنين من خلال صياغات عدة منها: 

١- التقوى: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أراد أن يكون أعزّ الناس فليتقِ الله.

٢_ العبودية:  روي عن الإمام علي عليه السلام قال: إلهي، كفى بي عزًّا أن أكون لك عبدًا، وكفى بي فخرًا أن تكون لي ربًّاَ.

٣_ طاعة الله تعالى:  روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من أراد عزًّا بلا عشيرة، وغنًى بلا مال، وهيبةً بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله إلى عزّ طاعته. 

التواضع رأس كل فضيلة، ومن خلال قرائتنا لسيرة العظماء من الأنبياء والوصيين عليهم السلام نرى أنهم أعطونا مدرسة تصل بالفرد عن نبذ كل ما يخالف هذه التعاليم الإلهية التي علمونا اياها لنصل إلى مرضاة الله تعالى.

ومع كل التفاوت الموجود بين العباد من ناحية القوة والتقدم والتمييز بينهم أراد الله لنا التواضع وأن اجتمعت هذه الخصال في رجل واحد فعليه بالتواضع، ولا يمكن المقارنة مع عظمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره. 

تراه أعطانا أجمل صورة وأحسن هيئة وأوصى بهذه المنقبة واعتبرها مقدمة لكل الأمور.

روي عنه صلى الله علیه وآله قال: إن الله يحب المتواضعين ويُبغض المتكبرين.

وعنه صلى الله عليه وآله قال يوماً لبعض أصحابه: ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة؟ قالوا: وما حلاوة العبادة؟ قال: التواضع.

وقد بين القرآن ثمرات هذه الأخلاق الرفيعة لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة آل عمران: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

إذا هذا التواضع مطلوب من كل فرد يؤمن بالله واليوم الآخر وممارسته ليكون من الذين دخل مدرسة أهل البيت عليهم السلام من بابها الواسع.

ونحن في هذه الأيام والليالي نطلب من الله بعزته أن يعزنا بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

روي عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) يقول : إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثم سكت ، فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي عليه السلام  بكاءاً شديداً ، ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم؟ قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له : ولم سمي المنتظر؟ قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون ، ويكذب فيها الوقّاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المسلمون.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *