شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثانية عشر* 

 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلَا أُجازِيهِ ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي ، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفانِي ، وَبَهْجَةٍ مُونِقَةٍ قَدْ أَرانِي فَأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً ، وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.      

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلَا أُجازِيهِ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. 

جعل الله مناسك عباده إليه في كل حركة وسكون وتفضل عليهم أن منحهم لذة الدعاء التي تكون الرابط الأساسي بين الله وعباده،

عكس ماتكون المعاملات فيما بين العباد في المنة والتأفف للوصول في استجابتهم لبعض حوائج تخصهم، ولكن يبرز واضحا كالشمس لذة هذا الفعل والعمل المتواصل له من المؤمن،

وليس ثمة لذة أعظم من لذة المؤمن وسعادته حينما يرى آثار عمله وإيمانه المترتّبة في استجابة دعائه ، ذلك لاَنّه يحسّ بأنّه موضع لطف بارئه تعالى وعنايته ، وأنّه في ارتباط مباشر مع خالقه ، تلك سعادة ليس فوقها سعادة بما ناله فيقول كما أدبنا أهل البيت عليهم السلام: وأنلني حسن النظر فيما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت .

ولكي يعيش لحظات تلك البهجة ويذوق حلاوة السرور ، عليه أن يتعرف على العوامل المؤثرة التي أثرت في سر  استجابة الدعاء.

من الإقبال على الدعاء بالقلب واليقين بالإجابة، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أفضل الدعاء ما خرج من القلب بجد واجتهاد فذلك الذي يسمع ويستجاب وإن قل.

المداومة على الدعاء، روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لابن عباس: أحفظ الله عز وجل  يحفظك، أحفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله عزَّ وجلَّ في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. 

والجزاء من جنس الفعل الذي ارتكبه العبد فمن كان حريصاً على ستر عيبه في الدنيا والأخرة، بعدما ارتكب من المعاصي والموبقات التي ستر الله عليه فإن دل هذا علي شيء دل على أن كلّ ما تقدم معنا من آثار الذنوب وتبعاتها وأخطارها في الدنيا والآخرة، لا بدّ من التعرّف إلى أنّ الله الرحمن الرحيم قد فتح أبواب رحمته لتعود إليه بعد عصيانك وطغيانك وتجاوز الحدّ وهتك الستر، وهذا من فضل الله علينا ورحمته بنا وإلّا لكنّا من الخاسرين.

وقد جعل هذه الأيام والليالي أعظمها كي يعود العبد إلى ستر الله ومعرفة نعمه العظيمة التي هي من أبواب التوبة التي كانت الباب الخفي بين الله وعباده. 

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقُلت وكيف يستر عليه قال: يُنسي ملكيه ممّا كُتب عليه من الذنوب ويُوصي إلى جوارحه أن اكتُمي عليه ذنوبه، ويُوصي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء‏ من الذنوب. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ﴾

أن نعم الله على عباده كثيرة ولا يحصى عددها إلا هو، فمع ذلك أعطانا بابا له قد علمناه من خلال آياته في كتابه العزيز وروايات أهل البيت عليهم السلام ألا وهو الحمد والشكر له على هذه النعم من الصحة والرزق وغيرها من النعم.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الله عز وجل أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة. 

وروي عنه عليه السلام في دعائه: فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي ، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفانِي ، وَبَهْجَةٍ مُونِقَةٍ قَدْ أَرانِي فَأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً ، وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الفرقان:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} 

لاينفك العطاء الإلهي للعباد متواصلا عليهم، ففي كل عطية لهم حتى الكافرين وهم غافلون عن هذا الأمر وأن المؤمنون فيعلمون أن ما بهم من صحة وعافية وقدرة وهبة المال والأولاد … وغيرها هي من الله وحده قد أعطاها الله وميز فيما بينهم من العطاء ليروا قدرته في خلقه.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين عليهم السلام أنه قال: إن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلم سأل ربه سبحانه ليلة المعراج فقال: يا رب أي الأعمال أفضل فقال اللّٰه عز و جل: ليس شيء أفضل عندي من التوكل علي والرضا بما قسمت يا أحمد وجبت محبتي للمتحابين في و وجبت محبتي للمتقاطعين في ووجبت محبتي للمتواصلين في و وجبت محبتي للمتوكلين علي و ليس لمحبتي علة و لا غاية و لا نهاية كلما رفعت لهم علما وضعت لهم علما أولئك الذين نظروا إلى المخلوقين بنظري إليهم و لم يرفعوا الحوائج إلى الخلق، بطونهم خفيفة من أكل الحلال نعيمهم في الدنيا ذكري و محبتي و رضائي عنهم. يا أحمد إن أحببت أن تكون أورع الناس فازهد في الدنيا و ارغب في الآخرة فقال: إلهي و كيف ازهد في الدنيا فقال: خذ من الدنيا كفافا من الطعام و الشراب و اللباس و لا تدخر شيئا لغد و دم على ذكري، فقال: يا رب كيف أدوم على ذكرك فقال: بالخلوة عن الناس و بغضك الحلو و الحامض و فراغ بطنك و بيتك من الدنيا، يا أحمد و احذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر و الأصفر أحبه و إذا أعطي شيئا من الحلو والحامض اغترته، فقال: يا رب دلني على عمل أتقرب به إليك، فقال: اجعل ليلك نهارا و اجعل نهارك ليلا، فقال: يا رب كيف يكون ذلك قال: اجعل نومك صلاة و طعامك الجوع يا أحمد و عزتي و جلالي ما من عبد ضمن لي بأربع خصال إلا أدخلته الجنة يطوي لسانه فلا يفتحه إلا بما يعينه و يحفظ قلبه من الوسواس و يحفظ علمي و نظري إليه و يكون قرة عينه الجوع يا أحمد لو ذقت حلاوة الجوع و الصمت و الخلوة و ما ورثوا منها، قال: يا رب ما ميراث الجوع قال: الحكمة و حفظ القلب و التقرب إلي و الحزن الدائم و خفة المئونة بين الناس و قول الحق و لا يبالي عاش بيسر أم بعسر، يا أحمد هل تدري بأي وقت يتقرب العبد إلي قال: لا يا رب. قال: إذا كان جائعا أو ساجدا، يا أحمد عجبت من ثلاثة عبيد: عبد دخل في الصلاة و هو يعلم إلى من يرفع يديه و قدام من هو و هو ينعس، و عجبت من عبد له قوت يوم من الحشيش أو غيره و هو يهتم لغد، و عجبت من عبد لا يدري أني راض عنه أو ساخط عليه و هو يضحك.

أن المؤمنين العارفين الخوف الذي يعيشه العبد في الابتعاد عن مدرسة الحق التي تدور عليها مدار حقيقة المعرفة بالبهجة الحقيقية والنعمة الإلهية الكبرى، مدرسة لا مثيل لها هي الأول والآخر، ولا يعطي الله مثل متوليها، ألا وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

فالحمد يكون كثيرا أن جعلنا الله من أتباع هذه المدرسة التي أرادت بنا الوصول إلى طريق الحق الذي أراده لنا الله من ولايتهم ومعرفتهم. 

روي عن عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قال: أيها الناس ! من أراد أن يطفئ غضب الله وأن يقبل الله عمله فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فالنظر إليه يزيد في الإيمان، وإن حبه يذيب السيئات كما تذيب النار الرصاص.

روي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن فوق كل عبادة عبادة، وحبنا أهل البيت أفضل العبادة. 

وروي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي. 

ونحن في هذه الأيام والليالي وقد انقضى الثلث الأول من هذا الشهر الفضيل نرفع أكفنا بالدعاء لله بتعجيل فرج أمامنا المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال :  المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *