شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثالثة عشر* 

 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَايُهْتَكُ حِجابُهُ ، وَلَا يُغْلَقُ بابُهُ ، وَلَا يُرَدُّ سائِلُهُ ، وَلَا يُخَيَّبُ  آمِلُهُ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.      

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَايُهْتَكُ حِجابُهُ ، وَلَا يُغْلَقُ بابُهُ.

لابد للمؤمنين أن يميزوا ما جبلوا عليه من الإيمان بالله والخوف منه والعظمة له، فجعل بينه وبين عباده حجابا كي تبقى العظمة له، ولايعلم منها إلا هو وأولوا العلم.

روي عن أمیر المؤمنین عليه السلام عندما سئل عليه السلام عن الحجب فقال عليه السلام: الحجب سبعة، غلظ كل حجاب [منها] مسيرة خمسمائة عام، وبين كل حجا بين مسيرة خمسمائة عام، و الحجاب الثاني سبعون حجابا، بين كل حجا بين مسيرة خمسمائة عام وطوله خمسمائة عام، حجبة كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوة كل ملك منهم قوة الثقلين، منها ظلمة ومنها نور ومنها نار ومنها دخان ومنها سحاب ومنها برق ومنها مطر ومنها رعد ومنها ضوء ومنها رمل ومنها جبل ومنها عجاج ومنها ماء ومنها أنهار وهي حجب مختلفة، غلظ كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام.

و قد أورد علمائنا أنها ليست هذه الحجب مضروبة على الله عزو جل، تعالى الله عن ذلك لأنه لا يوصف بمكان ولكنها مضروبة على العظمة العليا من خلقه التي لا يقادر قدرها غيره تبارك وتعالى.

ولهذه الحجب في أدعية أهل البيت عليهم السلام دلالة واضحة في بيانها أن الله خلق نور حجابه بنور اسمه، وله صفات وردت للحجب، كالجميل: اللهم…استرنا بحجابك… الجميل.

الحسن: اللهم…استرنا بحجابك الحسن.

الحصين: اللهم…استرنا بحجابك الحصين.

فدخول العبد في دائرة حجاب الله العظيم الذي لا يهتك، يمنع ذاك العقل الفاسد من فكره الذي لا يفتك ينشر تلك الأحاديث الكاذبة في تجسيم الله وحصره في منظور الخلق، وجعله مما يقرن بغيره مما خلق تعال الله علو كبيرة عما يصفون، وقد رد أئمتنا عليهم السلام على هذه المدارس المنخرفة.

عن فتح بن يزيد الجرجاني قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شئ من التوحيد، فكتب إلي بخطه عليه السلام:….

ولا تحجبه الحجاب، فالحجاب بينه وبين خلقه، لامتناعه مما يمكن في ذواتهم، ولا مكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع، والرب والمربوب. 

وروي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في قوله تعالى:

* (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) * 

ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنا من حجب النور فرأى من ملكوت السماوات، ثم تدلى (عليه السلام) فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

لايغلق باب الله عن عباده إلا أن تكون أفعالهم التي أوصدت الأبواب بينهم وبين الله عز وجل من كثرة الذنوب كأكل السحت والحرام وظلم ناس بعضهم لبعض، وارتكاب المعاصي الكبرى، ذلك قوله تعالى في سورة الشورى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

روي  عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ.

وها نحن في ضيافة الله في هذا الشهر الكريم نسأله أن لا يغلق أبواب عنا ويجعلنا مما نكون قد أتينا الباب الصحيح.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه وسبيله الذي مَن سلكه وصل إلى الله.

روي عن  الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عَيْبة علمه.

كيف لا يكون المؤمنون يرجون الله أن تدركهم رحمته ويدلهم عما غفل عنه الكثيرون من طرق أبوابه الحقة والسعي في دخولها ليحققوا ما أرادوه وهو خلاصهم من نقمة الله وعذابهم.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة البقرة: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. 

وروي عنه عليه السلام في دعائه: وَلَا يُرَدُّ سائِلُهُ ، وَلَا يُخَيَّبُ  آمِلُهُ. 

كفل الله عز وجل أن من سأله أجابه وهذه الإجابة تكون من خلال الدعاء له بما يكون فيه نجات العبد من مصائبه وهمه وغمه، ولا تكون من خلال السؤال عما نهى الله عنه، كدعاء الولد على والديه والدعاء ليحصل على الحرام، فهذا السائل التائه في مسائله إذا وكل نفسه إلى الناس عن سؤاله ذل.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: طلب الحوائج إلى الناس استلاب للعزة ومذهبة للحياء، واليأس مما في أيدي الناس عز المؤمنين، والطمع هو الفقر الحاضر. 

روي عن الإمام  أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: السؤال يضعف لسان المتكلم، ويكسر قلب الشجاع البطل، ويوقف الحر العزيز موقف العبد الذليل، ويذهب بهاء الوجه، ويمحق الرزق. 

الأمل مفهوم يتعلّق بالمستقبل إمّا الأخروي أو الدنيوي. 

– فإن تعلّق بالآخرة، فهو يدعو إلى الإصلاح والتطوير، فالأمل برحمة الله تعالى يدعو إلى العمل، بينما اليأس من رحمة الله يعطِّل الحياة، لذا كان هذا اليأس من كبائر الذنوب.

وكلامنا في الأمل في الله عز وجل الذي هو ممدوح ومطلوب، روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل ما أرضعت أمّ ولدها، ولا غرس غارس شجرًا.

الأمل الموفقة التي تنغرس فينا نتعلمها من أئمة الحق والهدى، فتكون نورا يسعى أمامنا لنصل إلى ما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: اللهم رب العالمين… أسألك… من الآمال أوفقها.

ونحن في هذه الأيام التي تمر كالسحاب نأمل من الله عزوجل أوفق الآمال  بأن يكحل ناظرنا بنظرة منا إليه ويجعلنا ممن يسارع إلى قضاء حوائجه عجل الله فرجه.

روي عن الإمام المهدي عجل الله فرجه قال: : ولو أن أشياعنا – وفّقهم الله لطاعته – على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *