شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الرابعة عشر* 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الْخائِفِينَ ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ ، وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.      

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الْخائِفِينَ ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: ﴿ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. 

يقيم المؤمن السجايا الكريمة التي أنعم الله بها عليه ومنها الخوف منه عز وجل، وهي من السجايا الأخلاقية الكريمة التي كانت لها أهمية كبرى في عالم العقيدة والإيمان، فألهبت النفوس وحفزتها إلى طاعة الله.

فقال عز من قال في كتابه المبين في سورة الرحمن:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}.

و تجاوب مشاعر الخشية والخوف في النفس ، تصقلها السمات التي يصل بها إلى أوج ملائكي رفيع ، يحول المؤمن ملاكاً في طيبته ومثاليته ، كما صوره امير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقارن بين الملك والمؤمن والحيوان.

فقال عليه السلام : ان الله عز وجل ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة ، وركب في البهائم شهوة بلا عقل ، وركب في بني آدم كليهما .

 فمن غلب عقله شهوته ، فهو خير من الملائكة ، ومن غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم.

فالخوف من الله هو الأمن من عذابه ونقمته، وتخرج المؤمن من الظلمات إلى النور ، التي دعا إليها أنبياء الله وأوصيائه، وكانوا هم الأنموذج الحق في الدلالة على مثل هذه السجية المنجية، التي إذا تمعنت فيها ترى حقيقة العبودية لله.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأحزاب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً﴾.

ورُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في حديث له عن جدّه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام  قال: “والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراماً قطّ حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضاً، إلا أخذ بأشدّهما عليه في دينه، (إلى أن قال) وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليه السلام، ولقد دخل ابنه أبو جعفر عليه السلام عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء، فبكيت رحمةً له، وإذا هو يفكر، فالتفت إلي ّ بعد هنيهة من دخولي وقال: يا بُنيّ أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعطيته فقرأ منها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده متضجّراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام.

قد فرق الله في كتابه العزيز بين الأقوام المؤمنين به، فمنهم المتقين و العابدين و الصالحين، والذين يعملون الصالحات، ومنهم من جمع هذه الصفات جمعاء.

قال تعالى في محكم كتابه عن النبي عيسى في سوة آل عمران: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

وفي سورة الأنعام: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحينَ}.

والآيات التي بينت ذكر الصالحين تكلمت أن الله أنجاهم وقت نزول عذابه على القوم الكافرين، ولقد ذكر الله تعالى في سورة هود أنّ مدين قوم شعيب الذين كانوا يسكنون الجبال، جاءوا بعد قوم لوط وقوم ثمود (صالح) ويشير القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}. 

فقَرَنَ الباري عز وجل العمل الصالح بالإيمان، قال تعالى في سورة النساء: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ).

ونحن في أيام البيض التي لها شأن خاص من كل شهر ،وهذا الشهر في ضيافة الله عز وجل  وكرمه، نلتمس أن نكون ممن يعمل صالحا فيكتب مع القوم الصالحين.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال: إنّ صاحب الدين فكّر فعَلَتْهُ السكينة ، واستكان فتواضع ، وقنع فاستغنى ، ورضي بما أُعطي ، وانفرد فكُفي الأحزان ، ورفض الشهوات ، فصار حرّاً ، وخلع الدنيا فتحامى الشّرور ، وطرح الحسد فظهرت المحبّة ، ولم يخَف الناس فلم يخفهم ، ولم يُذنب إليهم فسَلِم منهم ، وسخط نفسه عن كل شيء ففاز واستكمل الفضل ، وأبصر العافية فأمن الندامة. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: وَيَرْفَعُ الْمُسْتَضْعَفِينَ ، وَيَضَعُ الْمُسْتَكْبِرِينَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنفال: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ}.

وجود المستضعفين في كل زمان من الأمور الحتمية على البشرية ولذلك ذكر الله في كتابه عن ظلم المستكبرين لهم في جميع مراحل الحياتية من قتل وسبي، فجعل قضية نصرهم دائما هي القضية التي يتحملها أنبياؤه عليهم السلام، وقد قال تعالى في كتابه المبين في سورة النساء: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}.

وقد كانت هذه القضية في كل زمان مع المستكبرين، وقد حث الله في كتابه ليبين لنا هذه الفئة، فكانت واضحة كالشمس لاتغيب أنهم آل محمد عليهم السلام. 

قال عز من قال في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. 

وورد في العديد من الروايات عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأهل بيته عليهم السلام أنّ عباد الله المستضعفين الصالحين الذين سيرثون الأرض ويكونوا أئمةً فيها هم آل محمد ، وروي عن سلمان الفارسيّ قال:  قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ المستضعفين في الآية هم آل محمّد. 

وروي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نظر إلى عليّ والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي، قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال عليه السلام:معناه أنّكم الأئمّة بعدي، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ، فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة. 

ومعنى كون آل محمّد وكون الأئمّة هم الوارثين هو انتصار قضيّتهم التي هي قضيّة الرسالة الإسلاميّة المحمّديّة الأصيلة التي سيظهرها الله على الدين كلّه على يد المستضعَف الصالح المهديّ من آل محمّد عليهم السلام وهذا ما ورد عن  الإمام عليّ عليه السلام قال:  المستضعفون في الأرض المذكورون في الكتاب الذين يجعلهم أئمّة نحن أهل البيت يبعث الله مهديهم، فيعزّهم، ويذلّ عدوّهم. 

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: والذي خلق الجنّة وبرأ النسمة لتعطف الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك، (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). 

فالمستكبرين مع الشيطان في درك الأسفل من جهنم، كفرعون ونمرود وكل مستكبر وظالم، لآل محمد عليهم السلام.

روي عن  رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة حتى يجعله الله في أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين.

وروي عنه عليه السلام في دعائه: وَيُهْلِكُ مُلُوكاً وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يوسف: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ}.

إن الله عزوجل ليس بغافل عم يفعل هؤلاء من الملوك الظلام، ففي   قوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.

ضرب الله الأمثال في كتابه المبين عن الملوك وهلاكهم كان على أيدي الصالحين كموسى عليه السلام، قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَقَٰرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ ۖ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَٰبِقِينَ}.

الله يريد للمؤمنين الفوز بجنته من خلال أتباعهم الحق من عنده هم محمد وآل محمد، ونحن نرفع أكفنا بالدعاء لله أن لايجعل قلوبنا قلوب الملوك الجبارين بل قلوب العابدين الداعين بتعجيل فرج مولانا المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

روي عن  عبد الله بن مسعود كما رواه أبو داود عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم ، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً مني ـ أو من أهل بيتي ـ ، يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *