شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الخامسة عشر* 

الْحَمْدُ لِلّٰهِ قاصِمِ الْجَبَّارِينَ ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ ، مُدْرِكِ الْهارِبِينَ ، نَكالِ الظَّالِمِينَ ، صَرِيخِ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ ، مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنِينَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.       

روي عنه عليه السلام في دعائه: الْحَمْدُ لِلّٰهِ قاصِمِ الْجَبَّارِينَ ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ ۙ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ}.

مرت الأمم السابقة بحالات من نصر الله لهم بعد تعدد أسباب التحذير لجبابرة عصورهم من خلال أنبياء الله عز وجل، ومواجهتهم بقتال أو دعوة إلى الرجوع عن أفعالهم فنتجت مواجهة الأنبياء(عليهم السلام) واحدة من أعظم أنواع الجهاد وتضحياتهم في سبيل رفع الظلم والجبروت، فسفكت دمائهم، وأبيحت أموالهم، ولم يمنعهم ذلك من الاستمرار في قول الحق والدفاع عنه بكل الوسائل.

وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام): إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من الأنبياء، في مملكة جبّار من الجبابرة: أن أئتِ هذا الجبار فقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنّما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفار.

وقد مرت في حياة أئمتنا من الجبابرة والظالمين الذين قصم الله ملكهم و أهلكهم، فمعنى مبير أي الأرض التي تركت من دون زراعة، وأيضا معناها هلك، وقد دل أمير المؤمنين عليه السلام وميز بين الجبار والظالم والعادل.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَهَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ،وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: “يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا. 

ونحن في ولادة سبط النبي صلى‌الله‌عليه‌ وآله، الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، أسعد الله أيامكم، وقد مرت مواقف في حياته خلدها التاريخ له من جهاده للحكام الفاسدين، الذي كانوا جبابرة عصره وظلم سلام الله عليه ، ورغم ذلك صبر إلى أن وفد إلى ربه شهيدا مظلوما. 

وروي عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال ( عليه السلام ): “ويحكم! ما تدرون ما عملت. والله للّذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنصّ من رسول الله عليّ”؟! قالوا: بلى . قال: “أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران ( عليه السلام )، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟ أما علمتم أنه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم (عج)؟ الذي يصلّي خلفه روح الله عيسى بن مريم ( عليه السلام )، فإن الله عزّ وجلّ يخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير. 

فهلك جبار وظالم عصره الذي حكم بالظلم والجور، هكذا تحدث التاريخ واعترف به بنفسه،  حيث يروى  أنه بعد أن تمّ التوقيع على الصلح، قدم معاوية إلى الكوفة للاجتماع بالإمام الحسن ( عليه السلام )، حيث ارتقى معاوية المنبر ليعلن – متحدّياً كل المواثيق والعهود والأعراف – أنه يسحق بقدميه كل الشروط التي صالح الحسن عليها، وخاطب الناس المحتشدة في مسجد الكوفة قائلاً: والله إني ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم له كارهون. ألا وإن كلّ دم أصيب في هذه الفتنة فهو مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين.

والحديث يطول نتركه لحلقات أخرى. 

روي عنه عليه السلام في دعائه: مُدْرِكِ الْهارِبِينَ ، نَكالِ الظَّالِمِينَ ، صَرِيخِ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ ، مُعْتَمَدِ الْمُؤْمِنِينَ. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الذاريات: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.

الهروب من غضب الله إلى رحمته تدل على عظمة هذا الخالق أن جعل للناس أبوابا يهرب فاعل المعصية من غضب الله إلى روح الرحمة بصراخه وطلبته واعتماده وتأمله كل الخير والحسن منه عز وجل.

آداب التعامل بين الخلق وخالقهم دروس تعلمتها أجيال سبقتنا من مدرسة النور المحمدية العلوية، فحفظناه كي نعلم طريقة الرجوع إلى الله، بالدعاء والتضرع والصرخة من عقابه، ونحن في أيام شهر التوبة نفر يا الله منك إليك، يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم.

الاعتماد المطلق على الله في جميع حوائج الدنيا والآخرة في سبيل النجاة من حر النار هو اعتمادنا على الوسيلة إليه التي جعلها بيننا وبينه، لنكون في ظله عزوجل، ألا وهو التمسك بأهل البيت عليهم السلام فننال الحظ الأكبر والشفاعة التي يعتمد عليها الموالين.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تمسك بنا اتخذ إلى ربه سبيلا.

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: من تمسك بنا لحق ، ومن سلك غير طريقتنا غرق، لمحبينا أفواج من رحمة الله ، ولمبغضينا أفواج من غضب الله . وطريقنا القصد ، وفي أمرنا الرشد.

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير بالإسناد إلى جرير بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله (ص) : «ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة .

 ألا ومن مات على بغض آل محمد ، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيس من رحمة الله. 

 اللهم اجعلنا ممن يطلبون من عندك ويعتمدون عليك في كل شيء اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا، وارزقنا شفاعة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إنّ الحسن كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى. 

نرفع أكفنا بالدعاء لله بحق سبط نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أن يعجل فرج مولانا المهدي المنتظر، روي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلّم قال :  المهدي من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة وتضل فيها الأمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *