التطبيق السادس

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد 

الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد 

تدبر في آية البسملة 

لماذا الله سبحانه و تعالى أختار صفتي الرحمن الرحيم و أقسم بهما دون غيرهم من الصفات *

التطبيق السادس من سورة البقرة ووصلنا إلى آيات رقم٢١،٢٢، .

وهي شمول و هيمنة آية البسملة بما فيها من صفتي الرحمن و الرحيم و باقي مفرداتها لما يأتي بعدها من الآيات .

و لازلنا نطبق هيمنة البسملة بشكل متسلسل لآيات سورة البقرة و بعض الأحيان نقوم بتفسير موضوعي وطريقته استقراء آيات الموضوع.

أما آية ٢١،٢٢ هي من أصدق و أوضح هيمنة البسملة لأنها تتكلم عن خالقية رب العزة وهذ أسم من أسماء الله الحسنى ينطوي تحت الرحمٰن و الرحيم و لفظ الجلالة في البسملة{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }(١)

و الخطاب هنا لعامة الناس و الغاية هي إلقاء الحجة و من بعد ذلك :

١- أما أن يكون المخاطب لهذه الكلمات {الم  ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ  الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ  أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(٢)

٢- و أما أن يكون المخاطب{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ  خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }(٣)

بشكل أوضح أما يؤمنوا و يكون الله سبحانه هو الذي يفتح أبواب و طرق الهداية وهي مثلا اطمئنان القلوب و تجليتها بذكر و استماع الذكر و بذلك تفتح البصيرة و من بعد ذلك يستحق المؤمن الجائزة الكبرى.

و أما عدم الإيمان فتغلق عليهم طرق و أبواب الهداية فيختم على قلوبهم و سمعهم بحيث تكون هناك غشاوة على بصائرهم فيشترك الكافر المعلن عدم الإيمان و المنافق المخفي حالة كفره و الأخير خطيرٌ على الإسلام.

و يبقى الكلام عن صفة الخالقية التي هي تحت البسملة في كلام أهل البيت عليهم السلام و ما أحلى من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام الذي وصفوه بأنّه : دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق وذكرها هنا عبادة بحته في جنب الله و تدبر في خلقه .

ومن خطبة له عليه السلام الخالق جلّ وعلا

الْحَمْدُ لله خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ (٤)، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ (٥)، وَمُخْصِبِ النِّجَادِ (٦)، لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، هُوَ الْأَوَّلُ لَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقي بِلا أَجَلٍ.

خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ، حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إبَانَةً لَهُ (٧) مِنْ شَبَهِهَا، لاَ تُقَدِّرُهُ الْأَوْهامُ بِالْحُدُودِ وَالحَرَكَاتِ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ، لاَ يُقَالُ لَهُ: «مَتَى؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى»، الظَّاهِرُ لاَ يُقالُ: «مِمَّ؟» وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ؟»،

لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ (٨)، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَةٍ، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ (٩)، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْل دَاجٍ (١٠)، وَلاَ غَسَق سَاجٍ (١١)، يَتَفَيَّأُ (١٢) عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ (١٣)، وَتَقْلِيبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ، وَإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ، قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةٍ، وَكُلِّ إِحْصَاءٍ

وَعِدَةٍ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ كمنعه ـ: نسبه اليه.”>(١٤) الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ (١٥)، وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ (١٦)، وَتَأَثُّلِ (١٧) الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ؛ فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَإِلَى غَيْرهِ مَنْسُوبٌ.

ابتداع المخلوقين

لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ (١٨)، وَصَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ، لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ، عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السماوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.

منها: أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيّ (١٩)، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِىُّ (٢٠)، فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ، بُدِئْتَ (مِنْ سُلاَلَةٍ (٢١) مِنْ طِينٍ)، وَوُضِعْتَ ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾(٢٢) * ﴿إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ (٢٣) فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ (٢٤) دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا؛ فَمَنْ هَدَاكَ لِإِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ، وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!(٢٥).

——————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1 – 2 – 3 – البقرة 21,22,1,2,3,4,5,6,7

4- ساطح المهاد: جاعله سطحاً سهلاً وباسطه للعمل فيه. والمِهاد: الأرض.

5- الوهاد ـ جمع وَهْدَة ـ: ماانخفض من الأرض ومُسيلها فاعل من أسال، أي مُجري السيل فيها.

6- النِّجاد جمع نَجْد: ما ارتفع من الأرض.

7- الإبانة: هاهنا التمييز والفصل، والضمير في «له» يرجع إليه سبحانه أي تمييزاً لذاته تعالى عن شبهها أي مشابهتها.

8- شخوص لحظة: امتداد بصر بلا حركة من جفن.

9- ازدلاف الرّبْوة: تقربها من النظر وظهورها له لأنه يقع عليها قبل المنخفضات.

10- الداجي: المُظْلم.

11- الغَسَق: الليل. وساج: أي ساكن لا حركة فيه.

12- عبّر عن نسخ نور القمر له، بالتفيؤ تشبيهاً له بنسخ الظلّ لضياء الشمس، وهو من لطيف التشبيه ودقيقه.

13- الأفول: المغِيب. والكُرُور: الرجوع بالشروق.

14- نَحَلَهُ القولَ ـ كمنعه ـ: نسبه اليه.

15- صفات الإقدار: جمع قَدْر ـ بسكون الدال ـ وهو حال الشيء من الطول والعرض والعمق ومن الصغر والكبر.

16- نهايات الأقطار: هي نهايات الأبعاد الثلاثة المتقدم ذكرها.

17- التّأثّل: التأصّل.

18- أقام حدّه: أي ما به امتاز عن سائر الموجودات.

19- السّوِي: مستوي الخلقة لا نقص فيه.

20- المنشأ: المبتدع. والمَرْعي: المحفوظ المعنيّ بأمره.

21- السُلالة من الشيء: ماانسلّ منه.

22- القرار المَكِين: محل الجنين من الرحم.

23- تَمُور: تَتَحَرّك.

24- لا تحيرُ: من قولهم: ما أحار جواباً، أي لم يستطع ردّاً.

25 – الأمام علي عليه السلام- نهج البلاغة – ج2 – ص65 – خطبة 163.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *