شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الرابعة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

اللّٰهُمَّ مَا عَرَّفْتَنا مِنَ الْحَقِّ فَحَمِّلْناهُ ، وَمَا قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ. اللّٰهُمَّ الْمُمْ بِه شَعَثَنا ، وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا ، وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا ، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.   

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المائدة: {تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}. 

إن معرفة الحق من أهم الأمور التي يسعى إليها المؤمن ونحن في الأيام العشرة الأخيرة من هذا الشهر الكريم وقد كان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يشد فيها المئزر ، ويتفرغ لعبادة الله عز وجل ، في اعتكاف مستمر فينبغي للمؤمن أن يتأسى بأهل البيت عليهم السلام في هذه الأيام من الإلحاح بطلب المغفرة والعتق من النار.

فمعرفة الحق هو غاية البالغين والحاملين له في صدورهم ولكن  إذا كان  بإمكان المؤمن  أن يستمع إلى حديث ، أو إلى محاضرة ، أو يقرأ كتاباً أو مقالاً ، فيعرف الحق.

 ومن المعلوم أن البعض  غيروا اتجاه حياتهم ورؤيتهم للحياة من خلال كتاب واحد ، أو عرفوا الحق في موقف واحد ، أو في ساعة واحدة.ولكن التكليف الأكبر هو تحمل هذا الحق ، وأن يعمل المؤمن بلوازم الحق الذي عرفه ، وإلا أصبح هذا الحق حجة عليه يوم القيامة، من معرفة إمام زمانهم عجل الله فرجه. 

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:  من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

وقد أجمع علماء المسلمين على هذا الحديث من وجوب معرفة الحق وتحمل عدم التقصير فيه وشيعة أهل البيت عليهم السلام يلتزمون بما ورد عنهم عليهم السلام، وهم في ضيق وعسر يسألون الله أن يجمعهم ويرتقي هذا الأمر تحت راية صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال :  القائم من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي وشمائله شمائلي وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل ، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني . 

فالمؤمن المترقب لفرج إمامه المنتظر عجل الله فرجه الشریف يلاقي صعوبات كثيرة لتكذيب الناس له بوجود هذا الإمام المغيب ، كما يلاقي صعوبات كثيرة لقيامه بواجباته الرسالية من شد على قلوب أخوانه المؤمنين بثبات العقيدة والولاية لأهل البيت عليهم السلام وانتظار الفرج، ومايعانيه من قلة المؤمنين في هذا الزمن. 

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا يشككه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني. 

ونحن في هذه الأيام والليالي الأخيرة من هذا الشهر، نعمل بما قصرت به أنفسنا من قبل فنبلغ بها مبتغانا الذي ارتضيناه بعد تشعبنا  بكثرة الدعاء للإمام عجل الله فرجه. 

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث له عن بني إسرائيل قال:  فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً ، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة ، ثم قال عليه السلام: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه. 

ينبغي لنا الدعاء والطلب من الله الثبات على معرفة الإمام المهدي عجل الله فرجه  حق معرفته لأن هذا الأمر لا يتم لنا ولا يمكننا الحصول عليه إلا بتوفيقه ومعونته سبحانه وتعالى، لأن الناس في غفلة بما فيهم من الانغماس في ملذات الدنيا والابتعاد عن أصول دينهم وما أراده لهم أهل البيت عليهم السلام، وهم في عصر التقدم ومواقع التواصل الضالة وبرامج شيطانية تبعدهم عن الله، ولله در الشاعر دكتور وائل جحا يصف انحطاط المجتمع وما وصل إليه الحال من التجاهر بالمعصية:

تبدو غريباً إذا ما كنتَ ذا خُلُقٍ 

كقابضِ الجمرِ تكوي كفَّهُ النَّارُ 

أمَّا المسيءُ فبينَ الناسِ تلحظهُ 

يمشي بفخرٍ وللإفسادِ مدرارُ 

يفتي البرايا بغيرِ العلم معتلياً 

منابرَ القولِ والإعلامُ يختارُ 

والعريُ صارَ لهُ صوتٌ تبوحُ بهِ 

برامجٌ ولها في الأرضِ أنصارُ 

كذاكَ أضحى المجونُ اليومَ منتشراً 

ويستغلُّ ضعافَ النفسِ فجارُ 

يا أمةً قد علت أخلاقها فَعَلَت 

كانت كبدرٍ لهُ في الأرضِ أنوارُ 

لمَّا تخلَّى بنوكِ اليومَ عن قيمٍ 

زادتكِ عزَّاً إذا بالعزِّ ينهارُ 

عودي إلى دربِ من بالدِّينِ شرَّفنا 

ما خابَ من لرضى الرحمن قد ساروا. 

الانتباه من المؤمن والتمسك بثوابته الولائية لأهل بيت العصمة عليهم السلام والتسديد في أفعاله وأعماله في هذه الأيام والليالي المباركة من المسارعة بالدعاء للثبات على  الحق في دينه والالتجاء لله سبحانه وتعالى من خلال المدرسة النبوية الشريفة.

روي عن زرارة بن أعين أنه سأل الإمام الصادق عليه‌السلام  عن زمان الغيبة حيث قال :  جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل ؟

قال عليه السلام: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء ” اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني. 

نسأل الله العلي القدير أن يثبتنا على دينه الحق إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *