شرح دعاء الافتتاح *الحلقة السادسة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا ، وَأَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنا ، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا ، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا ، وَأَعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا ، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ آمالَنا. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين. 

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}. 

إن لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف وقت محدد لا نعلمه نحن لأن أمره من الله  و كل الروايات التي وردت في هذا الموضوع أكدت على كذب من يحدد وقتا تاريخياً معيناً للظهور بل دلت أكثر الروايات على الدعاء بالفرج وأعطت علامات كثيرة تحدث قبل الظهور لتثبيت عقيدة المؤمنين بوعد الله تعالى. 

روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً و عدواناً ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي ، يملئها قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و عدواناً. 

وقد جاء في عقد الدرر حيث أخرج بسنده عن الإمام أبي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام قال : لا يكون الأمر الذي تنتظرونه – يعني ظهور المهدي عجل الله فرجه، حتى يبرأ بعضكم من بعض ، و يشهد بعضكم على بعض ، و يلعن بعضكم بعضاً .

فقلت : أفي ذلك الزمان من خير ؟

فقال عليه السلام: الخير كله في ذلك الزمان ، يخرج المهدي فيرفع ذلك. 

زمانٌ يكثر فيه الاستهزاء بالمنتظرين لإمامهم، وتتقلب القلوب وتتزلزل الناس، فلا ينجيهم إلا التمسك والعقيدة الراسخة لديهم في عقائدهم أن وعد الله كان مفعولا. 

روي عن عبد الله بن سنان قال : ( كنت عند أبي عبد الله  الإمام الصادق عليه السلام  فسمعت رجلاً من همدان يقول له : إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا : إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر! وكان متكئاً فغضب وجلس ، ثم قال : لا تروه عني ، واروه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك. أشهد أني سمعت أبي عليه السلام يقول : والله إن ذلك في كتاب الله عزوجل بين حيث يقول :( إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ).

تكثر الفتن في فترة الانتظار وكلما أخمدت من مكان اشتعلت من مكان، فيتمسك المؤمن بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ،

فحتمية النداء من السماء ببشارة المؤمنين كما روي عن سعيد عن جابر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال : ينادي مناد من السماء ألا أن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس ، أنا أشك فيه ، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. 

ويدل على هذه الفترة أيضاً  ممن يدعي السفارة عدة أخبار صحيحة السند ، ومن أوضحها التوقيع الصادر منه عليه السلام إلى سفيره علي بن محمد السمري رضوان الله عليه قال : وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا ومن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

والمقصود بمن يدعي المشاهدة قبل هذين الحدثين من يدعي السفارة لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشریف، وليس مجرد التشرف برؤيته دون ادعاء النيابة أو دون التحدث بذلك ، فقد استفاضت الروايات برؤيته عجل الله فرجه من قبل العديدين من العلماء والأولياء الثقاة الأصحاء ، ولعل هذا سبب التعبير بنفي المشاهدة لا الرؤية.

وروي عن  عبدالله بن الفضل قال : سمعت جعفر بن محمد الإمام الصادق عليه السلام  يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له : ولم جعلت فداك ؟ قال عليه السلام: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ فقال عليه السلام: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لاينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل ، إن هذا أمر من أمر الله ، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله. ومتى علمنا أنه عزوجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف لنا. 

وأما الناس  فتعمها موجة الحديث عن المهدي عليه السلام وكراماته واقتراب ظهوره ، ويكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره. 

ولكن تلك الفترة تكون أيضاً أرضية خصبة للكذابين والوضاعين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس  فقد ورد في الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أن اثنتي عشرة راية تدعي المهدية ترفع قبل ظهوره عجل الله فرجه، وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب يرفع كل منهم راية ويدعو إلى نفسه ، وجميعها رايات ضلال ، ومحاولات دنيوية لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام، والشوق للقائه فيمحص عندها المنتظرين الحقيقيين من الذين في قلوبهم زيغ.

روي عن المفضل بن عمرو الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال سمعته يقول :  إياكم والتنويه ، أما والله ليغيبن إمامكم سنيناً ( سبتاً ) من دهركم ، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك ، بأي واد سلك. 

ولتدمعن عليه عيون المؤمنين. 

ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر ، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيده بروح منه. 

ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة ، لا يدرى أيٌّ من أي!

قال المفضل : فبكيت ، فقال عليه السلام ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟

فقلت : كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي ، فكيف نصنع ؟ قال المفضل: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة ، فقال عليه السلام: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس ؟ قلت : نعم. 

قال عليه السلام : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس . 

ونحن في الأيام القليلة الباقية من هذا الشهر الفضيل نطلب من الله أن نكون مصداق قوله تعالى في سورة فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}. 

لنكن من الصابرين والمنتظرين ومتمسكين بولايتهم عليهم السلام، روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّ من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم.

اللهم ثبت قلوبنا على دينك ومعرفة الحق من أهل الحق عليهم السلام، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *