شرح دعاء الافتتاح *الحلقة الثامنة و العشرون* 

بسم الله الرحمن الرحيم 

إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشاءُ إِلىٰ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلَىٰ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا إِلٰهَ الْحَقِّ آمِينَ. 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على 

أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.  

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنعام:{وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}. 

ولا يخفى أنّ معنى الصراط له بعدين دنيوي وأخروي : صراط في الدنيا وهو اتباع ما أراده الله ورسوله من المؤمنين من ولاية أهل بيت النبوة عليهم السلام، وصراط في الآخرة الذي يتمحور حول ما قدمه المؤمن من اتباع صراط الدنيا ، وأحدهما يعبّر عن الآخر ، وبينهما تلازم في العلم والعمل.

روي عن المفضّل بن عمر قال : سألت الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عزّ وجلّ ، وهما صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنّم. 

كان عدو الإنسان قد توعده بأن يضله عن طريق الحق وأقسم على ذلك فأن الشيطان وعد الله بقسمه بعزته بإغواء الإنسان وتضليله عن صراطه المستقيم إلا عباد الله المخلصين،وذلك قوله تعالى:{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، فجلوس الشيطان في طريق الصراط للإنسان أمرٌ كان ميثاقه مفعولا، وقد استطرد الشيطان في قسمه وذلك قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا ، أو فضّل علينا غيرنا فإنّهم عن الصراط لناكبون.

البداية الدنيوية في الصراط هو اتباع ماينجي الإنسان من الضلالة التي رسمها الشيطان وأعوانه لإخراج الإنسان من الجنة إلى النار.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة المؤمنون: {وَإنَّكَ لَـتَدْعُوهُمْ إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم * وَإنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَـنَاكِبُونَ}.

حقيقية الصراط التي أراده الله لعباده هي الولاية لأهل البيت عليهم السلام، ولكن هناك من اتبع ما أراده الشيطان له من اتباع هواه والسقوط في براثن الكفر والنفاق لما أوصى به النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم المسلمين. وفي حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله قال : وإنّ ربّي عزّ وجلّ أقسم بعزّته أنّه لا يجوز عقبة الصراط إلاّ من معه براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك. 

عاقبة العلم والعمل الذي يقوم بها الإنسان في دار الدنيا مرهونة بمن تولى وبمن آمن، فمن اتبع منهاج رسول الله و أهل بيته صلوات الله عليهم فله جزاء الحسنى من ربه تعالى ومن حادَ عن طريقهم فله معيشة ضنكا، وتزل قدمه إلى درك الجحيم بسوء عمله.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم  قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : اُبشّرك يا محمّد بما تجوز على الصراط ؟ قلت : بلى ، قال : تجوز بنور الله ، ويجوز عليّ بنورك ، ونورك من نور الله ، وتجوز اُمّتك بنور عليّ ، ونور عليّ من نورك (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور).

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة فاطر: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. 

الإنسان الحذر في عمله وعلمه يعرف أن العدو لله هو الشيطان فيتخذه عدوا له لكي لا يخرجه عن صراط الله.

روي  عن الإمام الكاظم عليه السلام، لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة، قال: أقربهم إليك وأعداهم لك،ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس. 

فالإنسان العاقل يجب عليه  أن يحذر بشدّة من عدُوّ خطر كهذا، لا يتورّع عن أيّ شيء ولا يرحم أيّ إنسان أبداً، وقرابينه في كلّ زاوية ومكان هلكى صرعى، فلا ينبغي له أن يغفل عنه طرفة عين أبداً. 

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال: فاحذروا عباد الله أن يُعْدِيَكُم بِدَائِهِ، وأن يَسْتَفِزَّكُم بِخَيْلِه ورَجِلِهِ، فلعمري لقد فَوَّقَ لكم سهم الوعيد، وأغرق لكم بالنَّزْعِ الشّديد، ورماكم من مكان قريب، وقال: ﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.

إنّ الخطوات الأُولى نحو الشَّيطان إنّما يخطوها الإنسان نفسه، وهو الّذي يسمح للشَّيطان بأن يتسلَّل إلى نفسه. 

فالشَّيطان لا يستطيع اجتياز حدود الرُّوح ويعبرها، إلّا بعد موافقة من الإنسان في مراده له من الإنحراف عن صراط الله، فإذا أغلق الإنسان نوافذ قلبه في وجه الشّياطين والأبالسة والذين اتبعوهم، فسوف لا تتمكَّن من النّفوذ إلى باطنه السليم من الايمان الحقيقي بالله عزوجل ورسوله وأهله عليهم السلام.

وهو قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأعراف: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾. 

ونحن في الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم نرفع أكفنا بالدعاء والتضرع لله أن يبعدنا عن الشياطين و أحزابهم، و يجعلنا من المتمسكين بولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

روي عن الإمام الحسين عليه السلام قال : من أحبّنا للدنيا ، فإنّ صاحب الدنيا يحبّه البر والفاجر ، ومن أحبنا لله كنّا نحن وهو يوم القيامة كهاتين وقرن بين سبابتيه. 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *