رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا

الحلقة الخامسة
سورة آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء هو عبادة يجتمع فيها القلب، واللسان، وجميع حواس الإنسان، لشعور العبد بلذة التقرب إلى الله تعالى ومتعة الطلب منه دون حاجز أو حجاب.
فاللجوء إلى الله عز وجل والتوسل إليه، غاية العبد في مختلف الحاجات فمنها
أجل التوبة والمغفرة،
ومنها لأمور الدنيا وتيسير الرزق والشفاء.
والدعاء هو أصدق العبادات مع الله عزوجل وأحبها إليه، كما ورد في سورة غافر: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، وكما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من شئ أكرم على الله تعالى من الدعاء.
ومما روي عن حنان بن سدير، عن أبيه، قال: قلت للباقر عليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شئ أحب إلى الله من أن يسأل ويطلب ما عنده، وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته، ولا يسأل ما عنده.

ذكر الله تعالى في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على الدعاء لها فوائد عظيمة في حياة العبد للتقرب إلى معبوده.
ومن تلك الآيات هذه الآية الكريمة من سورة آل عمران التي هي من السور المدنية، واسمها مأخوذ من قصة آل عمران، وتتحدث هذه السورة عن مسألة التوحيد وصفات الله والمعاد والجهاد وأحكامه، وكما تتحدث عن سلسلة من الأحكام الإسلامية وتاريخ الأنبياء عليهم السلام.
ولهذه السورة المباركة أسماء عدة منها: الزهراوان، والأمان والكنز والمعينة والمجادلة والاستغفار.
وردَّ في فضلها أن من قرأها جاءت تظله يوم القيامة كالسحابة على رأسه وأن من قرأ منها شيئاً أعطاه الله بكل حرف أماناً من حر جهنم.
الكل يسعى في عبادته إلى التثبت القلبي في الإيمان وعدم العود إلى العمى القلبي الذي يخرج الإنسان إلى الشك المحبط للأعمال، فتأتي هذه الآية الكريمة وفي معاني حروفها دعاء يشفي الصدور، كما روي عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ:قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ ذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: «يَا هِشَامُ،إِنَّ اللَّهَ حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ:أَنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَ تَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَ رَدَاهَا، إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ،وَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللَّهِ لَمْ يَعْقِدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يَنْظُرُهَا وَ يَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ،وَ لاَ يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلاَّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً، وَ سِرُّهُ لِعَلاَنِيَتِهِ مُوَافِقاً،لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْمُهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلاَّ بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَ نَاطِقٍ عَنْهُ».

و هنا لفتة لبحث اختلف فيه علماء الإسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة، ربما بلغت فيه الأقوال إلى عشرين قولاً، وعمل فيه العلماء من العصر الإسلامي الأول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد، وبيانه بشكل مختصر منعاً للإطالة.

  • المحكم هو الآيات التي معناه المقصود واضح ولا يشتبه بالمعنى غير المقصود، فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
  • المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه إلا الله تعالى فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها ،[ وهو قول المشهور عند علماء العامة] والشيعة كذلك، إلا أننا نعتقد بعلم النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بتأويل الآيات المتشابهة حيث لا طريق إلا الرجوع إليهم عليهم السلام، إذ أننا لا نعرف في القرآن آيات لا نجد طريقا إلى معرفة مداليلها ومعانيها المقصودة، لأن الأحاديث الشريفة الواردة الينا من أهل البيت عليهم السلام في الدلالة على اختلاف الآيات المتشابهة وطريق التوصل إلى معرفة معناها من بيانهم الشريف عليهم السلام لنا، لأن القرآن وصف نفسه بأوصاف عدة: كالنور والهادي والبيان ، وهذه الأوصاف لاتتفق مع عدم معرفة المداليل والمعاني.
  • ويمكن معرفة ما أردت بيانه من عموم قوله تعالى :{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}.
  • روي عن أمير المؤمنين عليه السلام لما أراد أهل الشام أن يجعلوا القرآن قال: أنا القرآن الناطق، وقال عليه السلام : يابن أبي سفيان ، أنت تدعوني إلى العمل بكتاب الله، وأنا كتابه الناطق إن هذا لهو العجب العجيب والأمر الغريب.
  • فالعمل المؤدي إلى المعرفة الحقة للعبد هي التمسك بالعروة الوثقى التي هي عترة النبي صلى الله عليه وآله، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترة أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا.
  • وروي عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال: هذا كِتابُ اللّه ِ الصّامِتُ ، وأنَا المُعَبِّرُ عَنهُ ، فَخُذوا بِكتابِ اللّه ِ النّاطِقِ ، وذَرُوا الحُكمَ بِكتابِ اللّه ِ الصّامِتِ ؛ إذ لا مُعَبِّرَ عَنهُ غَيري.
    والفوائد التي تضمنت هذه الآية الشريفة في معانيها الأنيقة:
    معرفة العبد أهمية الدعاء القلبي واللساني في التثبت في دين الله.
    معرفة خفايا القاوب وأنها تزيغ فتحتاج إلى الأكثار من الدعاء.
    الالتماس من الله الثبات لأنه هو واهب العطايا.
    الدعاء لله بأسمائه الحسنى فيها المزايا الحسنة، وحقيقة الرحمة الحسية في القلوب.

قلوب المؤمنين تحتاج ماروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَقُولُوا: {رَبَّنٰا لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا }وَ لاَ تَأْمَنُوا الزَّيْغَ.
ونحن في أيام الله وفي ضيافته ندعوه أن لا تزغ قلوبنا عن الإيمان بوحدانيته والتمسك بولاية محمد وآل محمد، والدعاء بتعجيل فرج وليه صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *