رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

الحلقة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء المبارك في هذه الآية الكريمة من دعوات أهل العلم والإيمان، سطرها الله تعالى في كتابه العزيز لتُتلى إلى يوم القيامة، وطبقت أقوالهم وأعمالهم طلبهم من الله عز وجل، فهم أصحاب النفوس الزكية، إذ أكدوا إيمانهم ب-(إن)- المؤكدة ودلالة قوة إيمانهم وصفاء توحيدهم من كل أدران الشرك والشك، أي آمنا بك وبكتابك وبرسولك صلى الله عليه وآله وسلم وأولياءك المخصوصين بكرامتك، وبكل ما جاء من عندك، قدموا توسلهم بإيمانهم بالله قبل سؤالهم لأنه من أعظم الوسائل التي يحبها الله، أن يتوسل العبد إليه بما منَّ عليه من الإيمان.
وهنا إشارة في التفريق بين الإيمان والإسلام، وذلك قوله تعالى في سورة الحجرات:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
الإيمان المطلوب هو الإذعان إلى الحق على سبيل التصديق له واليقين بما أتى به النبي صلى الله عليه وآله، وفي هذا الخصوص وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام تعكس التصور الإيماني الصحيح وفق نظرة شمولية ترى أن الإيمان هو عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان.
وروي أنه عندما سئل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان قال: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.
وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان قال: الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل.
ويؤكد الامام الصادق عليه السلام على قاعدة التلازم بين القول والعمل في تحقق مفهوم الإيمان، بما روي عنه عليه السلام قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدقته الأعمال.
واخلاص القلوب وصدق الأعمال حدودهما بما جاوب عنه الإمام الصادق عليه السلام عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الايمان فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من عند الله وصلاة الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت وولاية ولينا وعداوة عدونا والدخول مع الصادقين.
معرفة المتقين المشمولين بنعم الله العظيمة في العالم الآخر، الذين يتوجهون إلى الله بكل جوارهم، والإيمان يضئ قلوبهم ويحسون بمسؤولية كبيرة في كل أعمالهم، ويخشون عقاب الله خشية شديدة، فيطلبون مغفرته والنجاة من النار بقولهم:{ فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.
وهم مصداق ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إن لله تعالى ذكر عبادا ميامين مياسير، يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة القطر ولله عز وجل عباد ملاعين مناكير، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده بمنزلة الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه.
ومما روي النبي صلى الله عليه واله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یَقُولُ: إِنِّی لَأَهُمُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ عَذَاباً فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَی عُمَّارِ بُیُوتِی وَ إِلَی الْمُتَهَجِّدِینَ وَ إِلَی الْمُتَحَابِّینَ فِی اللَّهِ وَ إِلَی الْمُسْتَغْفِرِینَ بِالْأَسْحَارِ صَرَفْتُهُ عَنْهُم.
الحاجة التي تغفر الذنب و تقي من عذاب النار وتدخل في الدرجة الرفيعة التي تعطي اسم المتقين هو ما يتعلمه الإنسان من مدرسة أهل البيت عليهم السلام في دواء النفس بالاستغفار.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار.
ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قال: خير القول لا إله إلا الله وخير العبادة الاستغفار.
تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد عدة منها:

  • إن صفات المتقين إعلانهم بالإيمان بالله، لقوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} والقول هنا يكون باللسان ويكون بالقلب والعمل.
  • إن من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس وأنهم يرون أنهم مقصرون، لطلبهم المغفرة من الله لقولهم: {فاغفر لنا ذنوبنا}.
  • جواز التوسل بالإيمان الحقيقي وهم محمد وآل محمد لأنهم الوسيلة الى الله .
  • إثبات عذاب النار، لقوله: {وقنا عذاب النار } وكيفية الوقاية منه بكثرة الاستغفار كما ورد بكثير من الروايات.

ونحن في هذه الأيام المباركة نرجو من الله ادخالنا في المتقين الذين آمنوا وكانت صحيفتهم مملؤة بالاستغفار والتوسل الى الله بالوسيلة إليه محمد وال محمد.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير.
اللهم اجعلنا من المستغفرين من ذنوبنا وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *