رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ

الحلقة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الدعاء الذي يحمل الطلب بما ينفع العبد في مسألته مع الله عز وجل، ويكون فيه المرتجي منه سبحانه وتعالى والسماع الخاص له في استجابة ما يطلب في دعائه، وفي هذه الآية الكريمة إحدى دعوات نبي الله زكريا عليه السلام في طلب الذرية وقد قصها الله تعالى في كتابه الكريم.
تتلخص قصة نبي الله زكريا عليه السلام- وفقاً للنص القرآني والنصوص المفسرة، حيث وصفه الله سبحانه في كلامه بالنبوة والوحي ، ووصفه في أول سورة مريم بالعبودية، وذكره في سورة الأنعام في عداد الأنبياء، وعده من الصالحين ثم المجتبين.
وذكر سبحانه وتعالى بأن زكريا عليه السلام تكفل مريم عليها السلام لفقدها أباها عمران، فلما نشأت اعتزلت عن الناس واشتغلت بالعبادة في محراب لها في المسجد، وكان يدخل عليها زكريا عليه السلام يتفقدها{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
هنالك دعا زكريا عليه السلام ربه وسأله أن يهب له من امرأته ذرية طيبة، وكان هو شيخاً فانيا وامرأته عاقراً، فاستجيب له ونادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى، فسأل ربه آية لتطمئن نفسه أن النداء من جانبه سبحانه، فقيل له إن آيتك أن يعتقل لسانك فلا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا، وكان ذلك، وخرج على قومه من المحراب وأشار إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا، وأصلح الله له زوجه فولدت له يحيى عليهما السلام، وكانت هذه من المعجزات الإلهية في ذلك الوقت، ومما جاء في الخبر عن ابن عباس إلى أن زكريا كان يوم بُشر بيحيى عمره مائة وعشرين سنة، وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة.

فهذا الدعاء في الآية يشتمل على معان منها:
قوله {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ} أن الطلب بلفظ الهبة، لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابله شئ، لأنهما كانا شيخان كبيران، وهي عاقر لا تلد، وبالنظر هنا يكون الإيمان الخالص لله تعالى، وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته وفضائله التي لاتحد ولاتعد وكل الهدايا من الله هي كريمة وعظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم وهو قوله{مِن لَّدُنكَ}.
وقوله:{ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ}، التقييد بالذرية الطيبة إشارة مهمة أن العبد لا يسأل الله تعالى الذرية فقط فلا بد أن يقيدها بالطيبة حتى يكون منها الخير في الدارين، لأن العبد عند موته تبقى هذه الذرية محصوله الخاص به، بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له.
فأصل الذرية الطيبة للعبد هي نتاج حسن مضمون في الدنيا والآخرة وتكون عوناً له في الدعاء والعمل الصالح الذي يقدمه له، وكيف! إذا كانت من ركب إمام زمانه يقاتل بين يديه ويترحم له وهو الدي كان يدعو أن يكون من أنصاره وأعوانه، فيشركه في ثواب جهاده مع إمام زمانه.
قوله:{ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}، أي إني ما التجأت إليك وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء غير مخيب للرجاء، وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء، ففضل الدعاء باسماء الله الحسنى وردّ في نصوص عديدة أن المؤمن إذا دعا الله باسمائه الحسنى عشراً لباه الله تعالى، ومما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله؛ ان لله عز وجل تسعة وتسعون اسما من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة.
وقد تضمنت هذه الآية من الدعوات المباركة فوائد منها:
إن جميع الخلق مفتقرون إلى الله سبحانه وتعالى، حتى الأنبياء في كل أحوالهم.
أعظم التوسل إلى الله سبحانه بالدعاء هو اسم (الرب)، لأن إجابة الداعي من مقتضى الربوبية، فكان النبي صلى الله عليه وآله يمد يديه إلى السماء ويقول: يارب يارب…
إن العبد في سؤاله عن الذرية لا يسأل بالمطلق لاحتمال أن يكونوا نكداً وفتنة، وإنما يسأل الذرية الطيبة.
إن الاكثار بالدعاء باسماء الله الحسنى هي الاسرع بالإجابة.
إن الخشوع والرهبة من الله تعالى من أسباب إجابة الدعاء كما في قوله تعالى:{وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ}.

ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى بخضوع وخشوع أن يجعلنا وذريتنا من الداعين بتعجيل فرج صاحب العصر والزمان ويجعلنا من أنصاره وأعوانه.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *