التطبيق الرابع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد ، الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ،اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق الرابع عشر لآيات40،41،42،43،44 من سورة البقرة

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ۞ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)(1)

إن الله يخاطب أول من جحد نبوة محمد صلى الله عليه و آله و آخر دين كتابي علموا به، و كانت آبائهم و قبائلهم استقروا في المدينة لانتظار ظهور خاتم الأنبياء،
جاء في كتاب معجم البلدان ما نصه ان علماءهم كانوا يجدون في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يهاجر إلى بلد فيه نخل بين حرتين، فأقبلوا من الشام يطلبون الصفة حرصا منهم على اتباعه، فلما رأوا تيماء وفيها النخل عرفوا صفته وقالوا:
هو البلد الذي نريده، فنزلوا وكانوا أهله.(2)

و في الحقيقة كان من المتوقع من هؤلاء هو الإيمان حين بزوغ دعوة النبي صلى الله عليه وآله لأنهم أعرف الناس به قبل كل الناس ولكن ماضي أغلبهم مع الأنبياء كان لا يبشر بخير.

وفي كتاب الصحيح في سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله نقلا عن سنن بن داود و تفسير القرآن العظيم ما نصه : وقد رأينا أن قريشا ترسل رسولا إلى أحبار يهود المدينة، للسؤال عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله)، باعتبار أنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عند قريش .(3)

بل جاء في كتاب الملل والنحل ما نصه : بناء القلاع بالقرب من المدينة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي آخر الزمان فأمروهم بالهجرة من أوطانهم بالشام إلى تلك القلاع والبقاع حتى إذا ظهر وأعلن الحق بفاران وهاجر إلى دار هجرته بيثرب هجروه وتركوا نصره وذلك قوله تعالى * (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) *(4)

و الأعظم من ذلك ما جاء في تفسير الإمام عليه السلام هؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوة محمد وخانوه وقالوا:
نحن نعلم أن محمدا نبي وأن عليا وصيه، ولكن لست أنت ذلك ولا هذا، ولكن يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة ” ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ” (5)

في مجمع البيان عن الباقر عليه السلام في بيان هذه الآية: أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وآخرين من اليهود كانت لهم مأكلة على اليهود في كل سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبي صلى الله عليه وآله فحرفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره، فذلك الثمن الذي أريد به في الآية ” وإياي فاتقون ” في كتمان أمر محمد وأمر وصيه ” ولا تلبسوا الحق بالباطل ” لا تخلطوه به بأن تقروا به من وجه، وتجحدوه من وجه ” وتكتموا الحق ” من نبوة هذا وإمامة هذا ” وأنتم تعلمون ” أنكم تكتمونه تكابرون علومكم وعقولكم ” وأقيموا الصلاة ” المكتوبة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وآله وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآله الطاهرين.(6)

و مع ذلك كان خطاب الله لهم بالرحمة لازال متواصلا إلى يومنا هذا ، هذه رحمته عزوجل التي بدأ بها آياته وبدأ بها خطاب الدعوة أنه سيقدم هاتين الصفتين على جميع صفاته وهما صفة الرحمٰن و صفة الرحيم.

و قد حاول النبي صلى الله عليه و اله مع وصيه عليه السلام مستلهما رحمته من الله عزوجل بشكل متكرر إثبات بحجة تارة و الإعجاز تارة أخرى ولكن من تعلق بالدنيا وزخرفها يجحد ما يعتقد به قلبه.

و أول تلك الاحتجاجات معهم هي الآيات التي نحن في صدد التكلم عنها والآيات التي بعدها وهي كثيرة أذكر لكم رحمة علوية من كتاب الإحتجاج معهم :
احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وكثير من فضائله.
روي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: إن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام وعرف دلائلهم، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو سعيد الجهني.
فقال: يا أمة محمد ما تركتم لنبي درجة، ولا لمرسل فضيلة، إلا أنحلتموها نبيكم، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه؟ فكاع القوم عنه .
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: نعم ما أعطى الله نبيا درجة، ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد صلى الله عليه وآله وزاد محمدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة.
فقال له اليهودي: فهل أنت مجيبي؟
قال له: نعم سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله صلى الله عليه وآله ما يقر الله به عين المؤمنين، ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله صلى الله عليه وآله، إنه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال: ” ولا فخر ” وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء، ولا منتقص لهم، ولكن شكرا لله على ما أعطى محمدا صلى الله عليه وآله مثل ما أعطاهم، وما زاده الله وما فضله عليهم.
قال له اليهودي: إني أسألك فأعد له جوابا.
قال له علي عليه السلام: هات.
قال اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟
فقال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل، ولكن اعترافا بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي.
قال له اليهودي: فإن آدم عليه السلام تاب الله عليه بعد خطيئته؟
قاله له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى، قال الله عز وجل: ” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ” إن محمدا غير مواف يوم القيامة بوزر، ولا مطلوب فيها بذنب.
قال اليهودي: فإن هذا إدريس رفعه الله عز وجل مكانا عليا، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل ثناؤه قال فيه: ” ورفعنا لك ذكرك ” فكفى بهذا من الله رفعة، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته، فإن محمدا أطعم في الدنيا في حياته: بينما يتضور جوعا فأتاه جبرئيل عليه السلام بجام من الجنة فيه تحفة، فهلل الجام وهللت التحفة في يده، وسبحا، وكبرا، وحمدا، فناولها أهل بيته، ففعلت الجام مثل ذلك، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل عليه السلام وقال له: كلها فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها، وأنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي، فأكل منها صلى الله عليه وآله وأكلنا معه، وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه.
قال اليهودي: فهذا نوح عليه السلام صبر في ذات الله تعالى، وأعذر قومه إذ كذب؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله صبر في ذات الله عز وجل فأعذر قومه إذ كذب، وشرد، وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة، فأوحي الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال، أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد فأتاه فقال: إني أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها، قال صلى الله عليه وآله: ” إنما بعثت رحمة رب أهد أمتي فإنهم لا يعلمون ” ويحك يا يهودي إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القرابة، وأظهر عليهم شفقة

فقال: ” رب إن ابني من أهلي ” فقال الله تعالى: ” إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ” أراد جل ذكره أن يسليه بذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة، ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.

الرواية طويلة جدا فيها فضل النبي على سائر الأنبياء وفيها ما نحن بصدده من الرحمة الإلهية على عبيده الجاحدين قبل أن يأت يوم القيامة و يعذبهم بعذاب عظيم.(7)

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة: 40،41،42،43،44،

2-معجم البلدان – الحموي – ج 5 – الصفحة 84

3- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) – السيد جعفر مرتضى – ج 1 – الصفحة 96

4- الملل والنحل – الشهرستاني – ج1 – الصفحة 210

5- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 66 – الصفحة 341

6- مجمع البيان – الطوسي-ج 1 ص 95.

7- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 314،315،316.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *