رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ

الحلقة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء جاء ذكره في كتاب اللَّه العزيز تنويهاً بأهميّته، والحثّ على العناية به في كتابٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ فهذا الدعاء جاء عن خلصاء أصحاب عيسى، وأصفيائه، وأنصاره، وكان عددهم كما ذكر بعض المفسرين اثني عشر ، سمّاهم اللَّه تبارك وتعالى (الحواريون) من صفائهم، كالشيء الأبيض الخالص البياض، من شدة النقاء والصفاء .
‏فقد أخلصوا سرائرهم، وعلانيتهم، ونياتهم، فصاروا في أعلى درجات النقاء في ظاهرهم وباطنهم.
وقولهم: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}، قدّموا توسّلهم بربوبيته تعالى: لأنّ الربوبية تدور على ثلاثة أشياء، الخلق، ‏والملك، والتدبير، ‏وإجابة الدعاء، ويظهر تعليل ما جرى من كفار بني إسرائيل الذين عناهم الله بقوله:{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} دبروا لقتل عيسى عليه السلام وبعد ما اخرجوا عيسى من قومه بين أظهرهم، عاد إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة، فهموا بقتله، وتواطؤوا على الفتك به، فذلك مكرهم، ومكر الله بهم بإلقاء الشبه على صاحبهم الذي أراد قتل عيسى، حتى قتل وصلب، ورفع عيسى إلى السماء.
وكما أجمعت قريش على أمرهم من التخلص من النبي محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن يختاروا شابا من كل بطن ، ويضربوه بسيوفهم ، وهو نائم في فراشه ، فيتفرق دمه بين الجميع ، فأبطل اللَّه مكرهم ، حيث أمر نبيه صلى الله عليه وآله بالخروج من مكة ، وأن ينام أمير المؤمنين عليه السلام في فراشه ، يوهم القوم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله لم يسافر ، خوفا من اللحاق به ، واستلقى أمير المؤمنين عليه السلام في فراش ابن عمه صلى الله عليه وآله، وجر عليه بردته ، ولما اقتحم المتآمرون الدار وجدوا أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي يرقد في الفراش ،وذهب اللَّه بكيدهم ، وما كيد الكافرين إلا في ضلال .
فهذا الإيمان المطلق لا يصل إليه أحد إلا أمير المؤمنين عليه السلام.
وقد روي أنّه ليلةَ بات الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ، أوحى الله تعالى الى جبرئيل وميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما، و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة و أحبّاها ، فأوحى الله تعالى إليهما : أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب حين آخيت بينه وبين محمّد ، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، و جعل جبرئيل يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فوق سبع سماوات .
وقولهم: {وَاتَّبَعْنَا الرَّسولَ}، أي أننا سلمنا ظاهراً وباطناً، واذعنا لك، فجمعوا في دعائهم عدة توسلاتٍ عظيمة: توسلاً بربوبيته، وبإيمانهم، وعملهم الصالح بين دعائهم وطلبهم فكانوا مصدقين له بما أنزل من الإنجيل، واتباعهم لعيسى عليه السلام، وشهدوا لله بالواحدانية ولأنبيائه بالرسالة ونصرهم على عدو الله وأنبيائه.
كذلك عملية التمويه على قريش بارتداء الإمام علي عليه السلام رداء رسول الله صلى الله عليه وآله ومبيته في فراشه ربطاً لصلة القرابة وتأكيداً لمبدأ أن نفس رسول الله صلى الله عليه وآله هي نفس علي عليه السلام وتأكيداً أنه ثابت على خطى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وقد نفذ أوامره وأنجز مهامه بدقة تامة، ثم هجرته العلنية أمام أنظار قريش.
وقولهم:{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}, هذه الغاية عندهم بعد تقديمهم الوسيلة وطلب اثبات أسماءهم مع أسماء الذين لهم صفة قيادة الأمم، ويوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة ومنكرين للباطل.
وروي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا قضى صلَاته: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك – فَإِن للسائلين عَلَيْك حَقًا – أَيّمَا عبد أَو أمة من أهل الْبر وَالْبَحْر تقبلت دعوتهم واستجبت دعاءهم أَن تشركنا فِي صَالح مَا يدعونك بِهِ وَأن تعافينا وإياهم وَأَن تقبل منا وَمِنْهُم وَأَن تجَاوز عَنَّا وعنهم بِأَنا {آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} وَكَانَ يَقُول: لَا يتَكَلَّم بِهَذَا أحد من خلقه إِلَّا أشركه الله فِي دَعْوَة أهل برهم وبحرهم فعمتهم وَهُوَ مَكَانَهُ.
تضمنت هذه الآية الكريمة من الفوائد:

  • إن الإيمان لابد له من اتباع شامل لكل ما أنزل الله تعالى.
  • إن إشهاد العبد على نفسه بالإيمان أو الاسلام لا يعد من الرياء، لاسيما في اتباع النبي المرسل وأوصيائه عليهم السلام.
  • أهمية التوسل إلى الله تبارك وتعالى بالوسيلة إليه، وتقوية الإيمان بهذه الوسيلة بين العبد وربه ألا وهي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام.
    ونحن في العشر الأوائل من هذا الشهر الفضيل نسأل الله بالوسيلة إليه أن يعتق رقابنا من النار ويجعلنا من الشاهدين على أنفسنا بالإيمان ويجعل الرسول وآله عليهم السلام الشاهد لنا بالتسليم لهم في الدنيا والآخرة.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *