تتمة التطبيق الرابع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

تتمة عن أمير المؤمنين عليه السلام رحمةٌ من الله عز وجل للرواية التي حاجج بها اليهودي.

فقال اليهودي: فإن نوحا دعا ربه، فهطلت السماء بماء منهمر؟
قال له عليه السلام: لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد صلى الله عليه وآله هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنه صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتى رأي بياض إبطه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله حتى أن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل، فدام أسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك صلى الله عليه وآله وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: ” اللهم حوالينا ولا علينا اللهم في أصول الشيح ومراتع البقع ” فرأي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا، وما يقع بالمدينة قطرة، لكرامته صلى الله عليه وآله عز وجل.
قال له اليهودي: فإن هذا هود قد انتصر الله من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمد صلى الله عليه وآله شيئا من هذا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله عز وجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق، إذ أرسل عليهم ريحا تذروا الحصى، وجنودا لم يروها، فزاد الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله بثمانية ألف ملك، وفضله على هود، بأن ريح عاد ريح سخط، وريح محمد ريح رحمة، قال الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جائكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ” قال له اليهودي: فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة؟
قال علي عليه السلام لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من ذلك، إن ناقة صالح لم تكلم صالحا، ولم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة، ومحمد صلى الله عليه وآله بينما نحن معه في بعض غزواته إذا هو ببعير قد دنا، ثم رغا فأنطقه الله عز وجل فقال:
” يا رسول الله فلانا استعملني حتى كبرت، ويريد نحري، فأنا أستعيذ بك منه ” فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صاحبه فاستوهبه منه، فوهبه له وخلاه، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود فنطقت الناقة فقالت: ” يا رسول الله إن فلأنا مني برئ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور، وإن سارقي فلان اليهودي “.
قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك وأعطي محمدا أفضل منه، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ومحمد ابن سبع سنين، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته، وخبر مبعثه وآياته، فقالوا: يا غلام ما اسمك؟ قال: محمد قالوا: ما اسم أبيك؟ قال: عبد الله قالوا: ما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى الأرض قال: الأرض قالوا، وما اسم هذه؟ وأشاروا بأيديهم إلى السماء قال: السماء قالوا: فمن ربهما؟ قال: الله. ثم انتهرهم وقال: أتشككوني في الله عز وجل؟! ويحك يا يهودي لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عز وجل مع كفر قومه إذ هو بينهم: يستقسمون بالأزلام، ويعبدون الأوثان، وهو يقول: لا إله إلا الله.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث؟

قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله حجب عمن أراد قتله بحجب خمس، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل، قال الله عز وجل – وهو يصف أمر محمد صلى الله عليه وآله -:
” وجعلنا من بين أيديهم سدا ” فهذا الحجاب الأول ” ومن خلفهم سدا ” فهذا الحجاب الثاني ” فأغشيناهم فهم لا يبصرون ” فهذا الحجاب الثالث ثم قال: ” إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ” فهذا الحجاب الرابع ثم قال: ” فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ” فهذه حجب خمس.
قال له اليهودي: فإن هذا إبراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو: أبي بن خلف الجمعي معه عظم نخر ففركه ثم قال: يا محمد ” من يحيي العظام وهي رميم “؟ فأنطق الله محمدا بمحكم آياته، وبهته ببرهان نبوته، فقال:
” يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ” فانصرف مبهوتا.
قال له اليهودي: فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عز وجل؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما، ونفاها عن جزيرة العرب، وأذل من عبدها بالسيف.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم قد أضجع ولده وتله للجبين؟
فقال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء، ومحمد أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف على عمه حمزة أسد الله، وأسد رسوله وناصر دينه، وقد فرق بين روحه وجسده، فلم يبن عليه حرقة، ولم يفض عليه عبرة، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عز وجل بصبره ويستسلم لأمره في جميع الفعال، وقال صلى الله عليه وآله: لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع، وحواصل الطير، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهودي: فإن إبراهيم عليه السلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عز وجل عليه النار بردا وسلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهودي: فإن هذا يعقوب عليه السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه، ومريم بنت عمران من بناته؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته، والحسن والحسين من حفدته.
قال له اليهودي: فإن يعقوب عليه السلام قد صبر عليه فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن.
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، حزن يعقوب حزنا بعده تلاق، ومحمد صلى الله عليه وآله قبض ولده إبراهيم عليه السلام قرة عينه في حياته منه، فخصه بالاختيار، ليعظم له الادخار فقال صلى الله عليه وآله: يحزن النفس، ويجزع القلب، وأنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول ما يسخط الرب، في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عز وجل، والاستسلام له في جميع الفعال.
قال له اليهودي: فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة، وحبس في السجن توقيا للمعصية، والقي في الجب وحيدا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى مرارة الغربة، وفراق الأهل والأولاد والمال، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه، فلما رأى الله عز وجل كآبته واستشعاره والحزن، أراه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها وأبان للعالمين صدق تحقيقها، فقال: ” لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون ” ولئن كان يوسف عليه السلام حبس في السجن، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين، وقطع منه أقاربه وذووا الرحم والجأوه إلى أضيق المضيق، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا، إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه، ولئن كان يوسف ألقي في الجب، فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، ومدحه إليه بذلك في كتابه.

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 117،118،119،120

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *