رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا

الحلقة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
يقطف العبد من معين كتاب الله المبارك من جميل المباني، ودقائق المعاني، كلمات يستعذب بها الفؤاد، وتطيب الألسن، دعوات تتدفق منها الرحمات، والبركات والخيرات.
فبين لنا الله في هذه الآية الكريمة من جميل الإشادة بالمؤمنين الصادقين الصابرين من أتباع الأنبياء والأوصياء، في الصبر والثبات، والقوة في مواضع المحن وشديد البلاء، وحثنا على الاقتداء بهم وبفعلهم ودعائهم.
لأن الذنوب والإسراف في الدنيا من أعظم أسباب الخذلان والخسران، وأن التخلي عنها من أعظم النصر.
وقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام في سطوات الله عز وجل على المذنبين، ماروي عن أبي أسامة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار، قال: قلت له: وما سطوات الله؟ قال: الأخذ على المعاصي.
وروي عنه عليه السلام قال: من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال.
ومانراه من تعجل الإنسان في ارتكاب الذنوب تعجل الله له بالأمراض والعلل الفتاكة التي تقضي عليه وتسلبه حياته.
وما روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.

فقولهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي استر وتجاوز عن صغار وكبار سيئاتنا التي فعلناها، لأن الذنب لا يغفره غيرك، وماروي عن الإمام أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: اَلْعَبْدُ اَلْمُؤْمِنُ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً أَجَّلَهُ اَللَّهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ فَإِنِ اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ إِنْ مَضَتِ اَلسَّاعَاتُ وَ لَمْ يَسْتَغْفِرْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَيُذَكَّرُ ذَنْبَهُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ فَيَغْفِرَ لَهُ وَ إِنَّ اَلْكَافِرَ لَيَنْسَاهُ مِنْ سَاعَتِهِ .
لذا رغبت الشريعة المؤمنين وحثتهم على الاستغفار .
وقولهم:{ وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } أي أنهم أسرفوا في أمرهم مع الله في كثير من الأمور من عدم اتباع أوامر ونهج نبيهم وطاعته المفروض عليهم.
وهناك قول آخر ذهب إليه أكثر المفسرين وهو الإسراف في أمور الدنيا من مأكل وملبس وغيرها، لأن السرف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله العبد.
وأما قولهم: {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.
أي قوِّ قلوبنا على جهادنا النفسي وقتال أعدائك فلا ننهزم من الشيطان في وسوسته ولامن الكفار في قتالهم، لأن التثبت يعطي قوة القلب واليقين والعبد يحتاج هذا من الله ليكون قد أحرز صفة من الصفات التي يعطيها الله للمؤمنين، وجعل النصر والغلبة لهم على الكافرين ويكون الكفار هم الخذولين، فإن النصر لا يستجلب إلا منك عزّ شأنك.
وهنا لفتة أن ثبات الأقدام في عصر الغيبة هي الولاية لمحمد وآل محمد عليهم السلام، وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر واحد.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

  • أن العبد مفتقر في كل أموره إلى الله غاية الافتقار.
  • ينبغي للعبد أن يدعو الله تعالى بهذا الدعاء دائما.
  • معرفة العبد أن الذنوب سبب الخذلان والهوان ولهذا أسألوا الله تعالى إزالتها ومحوها بكثرة الاستغفار والالحاح بالدعاء لله.
  • معرفة العبد أن ثبات أقدامه في الدنيا والآخرة هو اتباعه للحق المأمور به من الولاية لمحمد وآل محمد.
    ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى المغفرة لنا من ذنوبنا والعفو عن إسرافنا وثبات أقدامنا على الحق من معرفة أهل البيت عليهم السلام والنصر على عدوه وعدوهم وعدونا.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *