تتمة التطبيق الرابع عشر 2

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

تتمة الرواية..

فقال له اليهودي: فهذا موسى بن عمران آتاه الله عز وجل التوراة التي فيها حكمه؟
قال له علي عليه السلام: فلقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل منه أعطي محمد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة، وأعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور، وأعطي سورة بني إسرائيل وبرائة بصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام، وزاد الله عز وجل محمدا السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم وأعطي الكتاب والحكمة.
قال له اليهودي: فإن موسى ناجاه الله على طور سيناء؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى، فمقامه في السماء محمود، وعند منتهى العرش مذكور.
قال اليهودي: فلقد ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه؟
قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، وقد أعطي محمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، لقد ألقى الله محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به الشهادة فلا تتم الشهادة إلا أن يقال: ” أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ” ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر الله إلا رفع بذكر محمد صلى الله عليه وآله معه.
قال له اليهودي: فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلى الله عليه وآله بأن أوصل إليها اسمه، حتى قالت: أشهد والعالمون: أن محمدا رسول الله منتظر وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار، وبلطف من الله ساقه إليها، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده، حتى رأت في المنام أنه قيل لها: إن ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدا، فاشتق الله له اسما من أسمائه، فالله المحمود وهذا محمد قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البختري، والنضر بن الحرث، وأبي بن خلف، ومنبه ونبيه ابني الحجاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحرث بن أبي الطلالة، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه ألحق.
قال له اليهودي: لقد انتقم الله عز وجل لموسى من فرعون؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة، فأما المستهزؤون فقال الله: ” إنا كفيناك المستهزئين ” فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد، فأما الوليد بن المغيرة:
فمر بنبل لرجل من جزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” وأما العاص بن وائل السهمي: فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر، فسقط فتقطع قطعة قطعة، فمات وهو يقول: (قتلي رب محمد) وأما الأسود بن عبد يغوث: فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة، فقال لغلامه: امنع هذا عني فقال: ما أرى أحدا يصنع شيئا إلا نفسك، فقتله وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” وأما الأسود بن الحرث: فإن النبي صلى الله عليه وآله دعا عليه أن يعمي الله بصره، وأن يثكله ولده، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي، فبقي حتى أثكله الله ولده، وأما الحرث بن أبي الطلالة: فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا، فرجع إلى أهله فقال: أنا الحرث، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول: ” قتلني رب محمد “.
وروي أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه، فمات وهو يقول: ” قتلني رب محمد ” كل ذلك في ساعة واحدة، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا له: يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك، فدخل النبي صلى الله عليه وآله منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال: يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول لك: ” اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ” يعني أظهر أمرك لأهل مكة، وادعهم إلى الإيمان، قال، يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ قال له: ” إنا كفيناك المستهزئين ” قال: يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال: كفيتهم، وأظهر أمره عند ذلك، وأما بقية الفراعنة: قتلوا يوم بدر بالسيف، فهزم الله الجميع وولوا الدبر.
قال له اليهودي: فإن هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكان تحول ثعبانا؟
قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله ما هو أفضل من هذا، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه، فاشتغل عنه وجلس يشرب، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه، فقال له بعض المستهزئين: من تطلب؟
فقال: عمرو بن هشام – يعني أبا جهل – لي عليه دين، قال، فأدلك على من يستخرج منه الحقوق؟ قال: نعم. فدله على النبي صلى الله عليه وآله وكان أبو جهل يقول:
ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة، وأنا أستشفع بك إليه، فقام معه رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى بابه، فقال له، قم يا أبا جهل فأد إلى الرجل حقه، وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه: فعلت ذلك فرقا من محمد قال: ويحكم أعذروني، إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما، وتلمع النيران من أبصارهما، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان، هذا أكبر مما أعطي موسى، وزاد الله محمدا ثعبانا

وثمانية أملاك معهم الحراب، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله يؤذي قريشا بالدعاء، فقام يوما فسفه أحلامهم، وعاب دينهم، وشتم أصنامهم، وضلل آبائهم، فاغتموا من ذلك غما شديدا، فقال أبو جهل: والله للموت خير لنا من الحياة، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به، قالوا: لا. قال، فأنا أقتله فإن شائت بنو عبد المطلب قتلوني به، وإلا تركوني، قال: إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به، قال: إنه كثير السجود حول الكعبة فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته به فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فطاف بالبيت أسبوعا، ثم صلى وأطال السجود، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه، فلما أن قرب منه أقبل فحل قبل رسول الله صلى الله عليه وآله فاغرا فاه نحوه، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده، وطرح الحجر فشدخ رجله، فرجع مدمى، متغير اللون، يفيض عرقا، فقال له أصحابه: ما رأيناك كاليوم؟! قال: ويحكم أعذروني، فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني، فرميت بالحجر فشدخت رجلي، قال اليهودي: فإن موسى قد أعطي اليد البيضاء، فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه أعطي ما هو أفضل من هذا، إن نورا كان يضئ عن يمينه حيثما جلس، وعن يساره حيثما جلس، وكان يراه الناس كلهم.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد ضرب له طريق في البحر، فهل فعل بمحمد شئ من هذا؟
فقال له علي عليه السلام، لقد كان كذلك، ومحمد أعطي ما هو أفضل هذا، خرجنا معه إلى حنين فإذا نحن بواد يشخب، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة، فقالوا: يا رسول الله العدو من ورائنا والوادي أمامنا، كما قال أصحاب موسى:
” إنا لمدركون ” فنزل رسول الله ثم قال: ” اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة، فأرني قدرتك ” وركب صلوات الله عليه، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، فرجعنا فكان فتحنا.
قال له اليهودي: فإن موسى عليه السلام قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا قال علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك، وذلك: إن أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له صلى الله عليه وآله، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء، ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة، فأخرج صلى الله عليه وآله سهما من كنانته فناوله البراء بن عازب وقال له! اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها ففاضت الماء وارتفع، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا.
قال اليهودي: فإن موسى عليه السلام أعطي المن والسلوى فهل أعطي لمحمد نظير هذا قال له علي عليه السلام: لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله أعطي ما هو أفضل من هذا، أن الله عز وجل أحل له الغنائم ولأمته، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من المن والسلوى، ثم زاده أن جعل النية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله، فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر.(1)

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 120،121،122

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *