الحلقة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الدعاء في هذه الآية الكريمة جمع بين معانيه اقتران الصبر بالدعاء والمناجاة والوعي الإيماني الذي وصل إليه من تبدل الكفر بالإسلام.
وتبين أن الدعاء هو الملجأ ، عندما يصاب البشر بشر أقوى منهم، فيبحثون عمن هو أقوى منه قدرةً، فيستعينون به على عدوهم حتى ينجيهم من الهلاك، وهذه القوة والإستطاعة والقدرة والنفع، كل هذه الصفات ترجع إلى القوي المقتدر الله تعالى.
فقد جاء في كتاب الله الكريم آيات تتحدث عن سحرة موسى عليه السلام، وهم القائلون لفرعون: { قالُوا إِنَّا إِلى‌ رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ}، وقد قابلوه بما يبطل كيده وتنقطع حجته، أنك تهددنا بالعذاب، على ماعرفناه، من الإيمان بربنا، وليس ذلك شر لنا، بل هو خيرٌ لنا، لأننا سنرجع إلى ربنا ونحيا عنده بحياة القرب السعيدة.
قصة سحرة موسى وإيمانهم من أعجب القصص، وقد أجمع المفسرون على ذلك بقولهم: كانوا أول النهار كفاراً وسحرة وآخر النهار شهداء وبررة.
وتعددت الروايات من طرق الشيعة وطرق أهل العامة على هذه المعاني غير أنها تشتمل مع ذلك من تفاصيل القصة على أمور، لم أنقلها لتعددها فمن أراد فليراجع كتب التفاسير.
فخلاصة هؤلاء الأبرار وقد جاؤوا بالعجب العجاب في مشافهتهم هذه مع فرعون و هو الجبار العنيد الذي ينادي “أنا ربكم الأعلى” و يعبده ملك مصر، فلم يذعرهم ما شاهدوا من قدرته وسطوته فأعربوا عن حجتهم بقلوب مطمئنة، ونفوس كريمة، و عزم راسخ، و إيمان ثابت، و علم عزيز، و قول بليغ، و إن تدبرت ما قاله الله سبحانه من مشافهتهم و محاورتهم فرعون في موقفهم هذا، لعرفت ان الله خلدهم في كتابه الكريم، لإخلاصهم الإيماني لله عز وجل في أصعب الظروف.

فقولهم:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} ان التجأ العبد إلى الله تعالى بدعائه (ربنا) أي يارب انت القادر والمنجي وكل شئ راجع إليك، أفرغ استعارة من أفرغ الماء أي انزل علينا.
الصبر يدل على حاجة الخلق إلى الله من خلال تراجم حياة الأنبياء العظام والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين رغم أن مقاماتهم كانت أرفع من مقام الصبر ومقام الرضا والتسليم، إلا أنهم كانوا في الدعاء والتضرع والعجز أمام المعبود، وكانوا يسألون حاجاتهم من الحق سبحانه، وذلك لإظهار العبودية والذل أمام عظمة الله الكاملة.
مفهوم الصبر في الأحاديث الشريفة درجات، كما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية.
فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض.
ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش.
ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش.

للصبر نتائج كثيرة فهو مفتاح أبواب السعادات وباعث للنجاة من المهالك ويهون المصائب ويخفف الصعاب ويقوي العزم.

وقولهم: {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين}، اي على دين الله وهو الاسلام الذي نزل على رسله عليهم السلام ومما جاء في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ،روي عن الامام أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ عليه السلام أَنهَُّ قَالَ: «لََننسُْبَنَّ الِْسْلَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَنْسُبْهَا أَحَدٌ بَعْدِي، الِْسْلَمُ هُوَ التسَّْلِيمُ، وَالتسَّْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ، وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصدِْيقُ، فَالتَّصدِْيقُ هُوَ الِْقْرَارُ، وَالِْقْرَارُ هُوَ الَْدَاءُ، وَالَْدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَخَذَ دِينهَُ عَنْ رَبّهِِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُعْرَفُ إِيمَانهُُ فِي عَمَلِهِ وَإِنَّ الْكَافِرَ يُعْرَفُ كُفْرُهُ بإِِنكَْارِهِ، يَا أَيُّهَا الناَّسُ دِينكَُمْ دِينَكُمْ فَإِنَّ السَّيِّئَةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْحَسَنَةِ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ فِيهِ تُغْفَرُ، وَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي غَيْرِهِ لَا تُقْبَلُ.

تضمنت هذه الآية الكريمة فوائد:

  • إن العبد لا ملجأ إليه إلا الله في دعاء له.
  • ان العبد يستمد من الله قوته الإيمانية التي يعطيها إياها.
  • الصبر هو مفتاح الفرج، وقد وعد الله الصابرين، بقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابرِینَ}.
  • الدعاء والتضرع لله أن يتوفى العبد على دينه، ويكون من المتمسكين بمعرفته لأنبياء الله وأوصيائه صلوات الله عليهم. ونحن في ايام الشهر الفضيل، نسأل الله أن يلهمنا من صبر عباده المخلصين، وأن يحينا حياة الإيمان ويتوفنا مسلمين، فدعاؤنا : اللهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّد وَآل ِمُحَمَّد.
    وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *