رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين

الحلقة السادسة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة يونس

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الآية الكريمة من سورة يونس المباركة، وسميت بهذا الاسم لأنها أحتوت على قصة النبي يونس عليه السلام مع قومه وكيف نجاهم الله من العذاب لتوبتهم ورجوعهم إليه تعالى، وهي من السور المكية التي لخصت، مسألة الوحي ومقام النبي صلى الله عليه وآله، وعلامات الخلق العظيم الذي يدل على عظمة الله، وتحدثت عن أقسام مختلفة من حياة الأنبياء نوح وموسى ويونس عليهم السلام.
وردت فضائل كثيرة في قرائتها، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من قرأ سورة يونس، أعطي من الأجر حسنات بعدد من صدق وكذب به، وبعدد من غرق مع فرعون.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين وكان يوم القيامة من المقربين.
وقد تضمن هذا الدعاء من الدعوات المثيرة التي ذكرت في القرآن الكريم لموسى عليه السلام مع قومه وفرعون، في شأنٍ مهم وخطير ، في كيفية تعامل المؤمن مع الكافرين والظالمين، عند الفتن والتسلط عليهم .
تعددت الوجوه في تفسير قولهم في هذه الآية المباركة عند المفسرين، فمنهم من قال: أن المراد لا تفتن بنا فرعون وقومه لأنك لو سلطتهم علينا لوقع في قلوبهم أنا لو كنا على الحق لما سلطتهم علينا، فيصير ذلك شبهة قوية في إصرارهم على الكفر فيصبح تسليطهم علينا فتنة لهم.
القول الآخر: أنك لو سلطتهم علينا لاستوجبوا العقاب الشديد في الآخرة وذلك يكون فتنة لهم.
ثم ساق الله سبحانه نبأ موسى و أخيه و وزيره هارون مع فرعون و ملئه و قد أوجز في القصة غير أنه ساقها سوقا ينطبق بفصولها على المحصل من حديث بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دعوته عتاة قومه و الطواغيت من قريش و غيرهم، و عدم إيمانهم به إلا ضعفاؤهم الذين كانوا يفتنونهم حتى التجئوا إلى الهجرة فهاجر هو (صلى الله عليه وآله وسلم) و جمع من المؤمنين به إلى المدينة فعقبه فراعنة هذه الأمة و ملأهم فأهلكهم الله بذنوبهم و بوأ الله المؤمنين ببركة الإسلام مبوأ صدق و رزقهم من الطيبات ثم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم و سيقضي الله بينهم.
فكان ذلك كله تصديقا لما أسر الله سبحانه إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآيات فيما سيستقبله و قومه من الحوادث، و لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب أصحابه و أمته: لتتبعن سنة بني إسرائيل حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.

القوم الظالمين الذين حدثنا عنهم القرآن الكريم ، وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، فقد حدثنا المسلمون عن حصار قريش لشعب أبي طالب عليه السلام حيث قررت قريش إدارة الحرب بشكل آخر، من خلال المقاطعة الاقتصادية، وحرمان المسلمين من أدنى مقومات العيش، بعد أن لم تفلح كافة الأساليب الأخرى، فكتبوا في شهر محرم من السنة السابعة للبعثة صحيفة تعاقدوا عليها، ووقع عليها أربعون من شيوخهم، وكتبوا فيها أنهم لا يزوجون بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يتزوجون منهم، ولا يبيعونهم ولا يبتاعون منهم، ولا يجتمعوا معهم على أمر من الأمور، أو يسلموا لهم رسول الله ليقتلوه، وإلا فإنهم سيموتون جوعا وعطشا، وبالتالي فلا يتحمل أحد مسؤولية قتلهم، أو أن يتراجع النبي (صلى الله عليه وآله) عن دعوته وتنتهي المشكلة، وختموها بخواتيمهم وعلقوها في داخل الكعبة.

وأمر أبو طالب بني هاشم أن يدخلوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الشعب، واستمر هذا الحصار حتى السنة العاشرة، والهاشميون يتضورون جوعا وعطشا، لا يقدرون أن يخرجوا من الشعب.

وعملت قريش على منع الوافدين إلى مكة من أن يبيعوهم أو يبتاعوا شيئا من الهاشميين، فكانوا يشترون منهم ما يريدون بيعه بأغلى الأثمان، وإن كانت خيالية لا يحلم بها الوافدون، حتى لا يقدر الهاشميون على شراء شيء منهم ، بل عمدوا إلى وضع مراقبين حول الشعب حتى لا يدخل إليهم أحد شيئا، إلا ما كان يأتيهم سرا بعيدا عن عيون الرقابة.

النصر الإلهي:
وأخيراً، وبعد ثلاث سنوات من الحصار، ظهرت المعجزة الإلهية، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى عمه أبي طالب، وأخبره بأن الأرضة قد أكلت كل ما في الصحيفة، ولم يبق فيها إلا ما كان إسما لله تعالى.
فجاء أبو طالب ومعه بعض الهاشميين إلى قريش، وقال لهم، وقد ظنوا أنه جاء مستسلماً لهم، ابعثوا إلى صحيفتكم لعله يكون بيننا وبينكم صلح فيها، فبعثوا وأتوا بها، فلما وضعت وعليها أختامهم، قال أبو طالب لهم: أتنكرون منها شيئا؟
قالوا: لا.
قال: إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط، أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة وإثم، وتركت كل اسم هو لله، فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه.
وتجلت في هذا الموقف حكمة أبي طالب، وحنكته العالية، حيث ألزم قريشا بموقف صعب، لا يمكنها التملص منه ومن مفاعيله وتبعاته، وظنت قريش أنها حصلت على ما تريد، فصاح الناس: أنصفتنا يا أبا طالب.
فلما فتحت الصحيفة فإذا هي كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكبر المسلمون، وبهت المشركون،
فقال أبو طالب: أتبين لكم أينا أولى بالسحر والكهانة؟
فأسلم يومئذ كثير من الناس كما يذكر الرواة، ولكن قريشا ظلت على موقفها ونقضت اتفاقها مع أبي طالب (عليه السلام)، حتى جاء بعضهم ونقضوا الصحيفة، فخرج الهاشميون من الشعب.
هذه أحوال بعض ماجرى مع النبي صلى الله عليه وآله، والمسلمين والحديث طويل في ماجرى في شعب ابي طالب عليه السلام.
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *