التطبيق السابع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق السابع عشر

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) (1)
بعدما خاطب الله سبحانه و تعالى أهل الكتاب بالخطاب المباشر و بشكله الأولي لبني إسرائيل حيث يذكرهم بنعم الله عليهم، وأول نعمة ذكرها هو إبعادهم وإنقاذهم عن إسراف الطغيان الذي عاثه فرعون في بني إسرائيل وهو خطاب برحمته التذكيرية لنا ولهم، و الرحمة الوقائية لنا ولهم، كالبلاء العظيم الذي لا يمكن لبشر أن يستقر لا في فراش و لا في العمل، و هو في كل أحواله مسلوب من عنده الأمان، و الإستقرار، و الصحة النفسية، و الجسدية، و ذلك بسبب الهتك الذي يطال جميع العائلة الإسرائيلية المؤمنة في ذاك الزمان، حتى عبر القرآن عنه بالبلاء العظيم.
إجبار النساء على الخدمة الشاقة و قتل الأطفال، و السبب في ذلك هو معرفة فرعون بهلاكه على يد مخلص من بني إسرائيل، وهو نفس الاستنفار الذي أوذي به الأمامان العسكريان عليهما السلام حين إجبار الأماميين عليهم السلام بالذهاب إلى سر من رأى والإقامة الجبرية هناك في أكبر معسكر للدولة السياسية آنذاك، تحسبًا و استنفارا لقمع وقتل مخلص البشرية كما هو معلوم عندهم، و عند علمائهم، و الخوف من ذهاب ملكهم.

الله سبحانه وتعالى بهذه الرحمة التذكيرية و الرحمة الوقائية يخبرهم بهذه النعمة التي إذا استقاموا رفع عنهم هكذا بلاء، و سيتم تأسيس دولة التي بها تكون دولة الحضارة المتمثلة بالأمان و الصحة و الرفاهية و الدين الصحيح الذي ينجيهم من نار جهنم، وهذا الخطاب وهو خطاب المدينة الفاضلة مع النبي المصطفى من قبل الله، أي خطاب الحضارة و الدين الصحيح، قد خاطب بمثله الإمام علي عليه السلام المعاندين في زمانه <<فقال لطلحة : يا طلحة إن كل آية أنزلها الله جل وعلا على محمد عندي بإملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط يدي، حتى أرش الخدش . قال طلحة: كل شئ من صغير وكبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟ قال: نعم وسوى ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم،>>(2)

محل الشاهد هو المقطع الأخير من كلامه عليه السلام <<ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم>> حيث عبر كلامه سلام عليه عن أحقيته، لأنه يعلم كل شيء، وهو القادر على تأسيس الدولة الفاضلة، لو أن الأمة عملت بما نصه الله و رسوله لارتفع كل هذا البلاء، و تكونت الدولة الفاضلة مع الدين الصحيح المعبر عنه في روايات الحجة المنتظر عجل الله فرجه وسهل الله مخرجه <<فيملأ الأرض عدلا وقسطا>>

  • عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر: <<إن المهدي من عترتي من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان تنزل له السماء قطرها وتخرج له الأرض بذرها فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملأها القوم ظلما وجورا.>>(3)

خطاب رب العزة الأولي لبني إسرائيل رحمة تذكيرية و ووقائية لهم و هو خطاب لنا بالثبات على الولاية وخطاب لمن خالف معتقدنا فإن كان الخطاب لبني إسرائيل فهو يتعدى للبشرية جمعاء بالرحمة التعلمية.

كما يتعدى هذا الخطاب ويصل إلى المنتظرين لصاحب العصر و الزمان فلا يكون هناك عناد حين خروجه أو الوسوسة والتشكيك حين غيابه.

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 1 – الصفحة 223

2- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 51 – الصفحة 74

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *