وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

الحلقة الحادية والعشرين

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من ادعية نبي الله أيوب عليه السلام، وفي معانيها الطاعة الفريدة والإعانة على تحمل ما ينزل من الله، نعمة أو ضر، والصبر عليها، فذكره الله في كتابه العزيز من الصابرين الذين يزيدهم من فضله، ويوفيهم أجورهم.

وردت الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام تحدثنا، ما جرى على هذا النبي عليه السلام، روي عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون، لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.

وقال عليه السلام: إن أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شئ من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، بجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره، من التأييد والفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
وإنما ابتلاه الله عز وجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهد واما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه، ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين:
استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء، ويشفي من يشاء، متى شاء، كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله: لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به.

وهذه الرواية ـ الصادرة من بيت الوحي والنبوة ـ تعرب عن عقيدة الأئمّة في حق الأنبياء عامة ، وفي حق النبي أيوب خاصة ، وانّ الأنبياء لا يبتلون بالأمراض المنفّرة، لأنّها لا تجتمع مع هدف البعثة ، وأنّ ابتلاء أيوب كان لأهداف تربوية أُشير إليها في الرواية.

وقال العلاّمة المجلسي بعد نقل الخبر المتقدم عن الإمام الباقر (عليه السلام) : هذا الخبر أوفق بأُصول متكلمي الإمامية من كونهم منزّهين عمّا يوجب تنفّر الطباع عنهم ، فتكون الأخبار الأُخر محمولة على محامل أُخر.

انّ الروايات الواردة في بعض الكتب من إصابته بأمراض منفّرة يخالفها العقل ، وتردّها النصوص المروية عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

يعرف للعباد أن الصبر من أشرف الأخلاق، فإن معنى ذلك أن الذي يتحلى به هو من أشرف الناس وأعظمهم أخلاقا، وهذا ما نراه جليا في امتحان الأنبياء عليه السلام، فإن إحدى البليات التي يتعرض لها الأنبياء لكي ينالوا مقام الإمامة الإلهية تتطلب الصبر الشديد بحيث لا يستطيع المؤمن العادي تحمله، فهذا نبينا إبراهيم عليه السلام قد صبر على طاعة الله عز وجل بعد أن أمره بذبح ولده، فكاد أن يذبحه لولا الفداء العظيم من الله بعد أن أظهر عليه السلام صبرا على أداء التكليف، وهكذا كان نبي الله أيوب في صبره الإلهي فأعطاه الله مقام الإمامة الإلهية.

ونحن في هذه الليالي الحزينة في شهادة إمام المتقين أمير المؤمنين عليه السلام، عظم الله أجورنا بهذا المصاب الجلل، لك العزاء يا صاحب الزمان ومما جاء من خطبة له (عليه السلام) بعد انصرافه من صفين:
” لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا.

بقي الإمام علي (عليه السلام) يعاني من ضربة المُجرم الأثيم ابن ملجم ثلاثة أيام، عَهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).
وطوال تلك الأيام الثلاثة، كان الإمام (عليه السلام) يلهَجُ بذكر الله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره.
كما كان الإمام (عليه السلام) يُصدر الوصيَّة تُلوَ الوصيَّة، داعياً إلى إقامة حُدودِ الله عزَّ وجلَّ، محذِّراً من اتِّباع الهوى، والتراجع عن حَمل الرسالة الإسلامية.
وأخيراً، وفي الحادي والعشرين من شهر رمضان من عام 40 هـ، كانت النهاية المؤلمة لهذا الإمام العظيم (عليه السلام)، الذي ظُلِم خلال حياته ظُلامَتَين كبيرتين:
الأولى: إقصاؤُه عن الخلافة من قِبَل مُبغِضِيه.
الثانية: اغتياله في شهر الله، الذي هو أفضل الشهور، ليَمضي إلى رَبِّه مقتولاً شهيداً.
حيث كانت مصيبة فقده (عليه السلام) من أشَدِّ المصائب التي تعرَّضت لها الأمة الإسلامية من بعد مصيبة فقدان النبي (صلى الله عليه وآله).
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين.

تعليق واحد على “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *