وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ

الحلقة الثانية والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من دعاء نبي الله نوح عليه السلام، وفيه دلائل على الإذعان والطاعة والإلحاح بالدعاء لله عزوجل، ليأتي نصره لعباده المؤمنين، فذكره الله تعالى في كتابه المبين وخلده ليكون موضع تأمل وتفكر وأنه عزوجل بيده خلاص الأمور.

وإن نوحا نبي من أنبياء الله العظام، وهو من أولي العزم، وأولو العزم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبينا الخاتم صلوات الله عليه وعلى آله وعلى جميع الأنبياء، وهؤلاء الأنبياء عليهم السلام لهم مواقع متميزة في حياة البشرية، ونبي الله نوح له امتيازات، فمن امتيازاته أنه أبونا الثاني، والقرآن الكريم ذكره في أكثر من أربعين موضعا، حيث تناول مسألة نوح، وما جرى عليه.

وهو عليه السلام أول من فتح باب التشريع وأتى بكتاب وشريعة وكلم الناس بمنطق العقل وطريق الاحتجاج مضافاً إلى طريق الوحي، فله المنّة على جميع الموحدين إلى يوم القيامة، ولذلك خصّه الله تعالى بسلام عام لم يشاركه فيه أحد، فقال عزّ من قائل: {سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}.

و ذكر اسمه (عليه السلام) في القرآن في بضع وأربعين موضعا يشار فيها إلى شئ من قصته إجمالا أو تفصيلا، ولم تستوف قصته (عليه السلام) في شئ منها استيفاء على نهج الاقتصاص التاريخي بذكر نسبه وبيته ومولده ومسكنه ونشوئه وشغله وعمره ووفاته ومدفنه وسائر ما يتعلق بحياته الشخصية، لأن القرآن لم ينزل ككتاب تاريخ يقتص تواريخ الناس من بر أو فاجر، وإنما هو كتاب هداية يصف للناس ما فيه سعادتهم، ويبين لهم الحق الصريح ليأخذوا به فيفوزوا في حياتهم الدنيا والآخرة، وربما أشار إلى طرف من قصص الأنبياء والأمم لتظهر به سنة الله في عباده، ويعتبر به من شملته العناية ووفق للكرامة، وتتم به الحجة على الباقين.
وقد فصلت قصة نوح (عليه السلام) في ست من السور القرآنية وهي سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة المؤمنون، وسورة الشعراء، وسورة القمر، وسورة نوح، وأكثرها تفصيلا سورة هود التي ذكرت قصته (عليه السلام) فيها في خمس وعشرين آية.

وقد وردت في الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام ما جرى عليه، روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أظهر الله نبوة نوح وأيقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى ووثبوا إلى نوح بالضرب المبرح حتى مكث في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام يجرى الدم من أذنه ثم أفاق وذلك بعد سنة ثلاثمائة من مبعثه وهو خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون ويدعوهم سرا فلا يجيبون ويدعوهم علانية فيولون.
بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم جلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله حاجتنا أن تۆخر الدعاء على قومك، فإنها أول سطوة لله عز وجل في الأرض.
قال: قد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى، وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخرى ويئس من إيمانهم جلس في وقت الضحى للدعاء، فهبط إليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه وسألوه مثل ما سأله الوفد الأول فأجابهم مثل ما أجاب أولئك.
ثم عاد وقومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك وصلى ودعا، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: ان الله تبارك وتعالى قد أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر ويغرسوا النوى ويراعوه حتى يثمر، فإذا اثمر فرجت عنهم، فعرفهم ذلك واستبشروا ففعلوا ذلك وراعوه حتى أثمر ثم سألوه ان ينجز لهم الوعد.
فسأل الله ذلك، فأوحى الله إليه: قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى فإذا أثمرت فرجت عنكم.
فلما ظنوا ان الخلف قد وقع عليهم ارتد عنهم الثلث وبقى الثلثان فأكلوا التمر وغرسوا النوى حتى إذا أثمر اتوا به نوحا فسألوه ان ينجز لهم الوعد.
فسأل الله عز وجل عن ذلك، فأوحى الله إليهم: قل لهم كلوا التمر واغرسوا النوى، فارتد الثلث الآخر وبقى الثلث.
فأكلوا التمر وغرسوا النوى، فلما أثمر اتوا به نوحا عليه السلام فأخبروه وقالوا: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج ان نهلك، فصلى نوح عليه السلام فقال:
يا رب لم يبق من أصحابي الا هذه العصابة وإني أخاف عليهم الهلاك ان تأخر الفرج، فأوحى الله عز وجل إليه: قد أجبت دعوتك فاصنع الفلك فكان بين إجابة الدعاء والطوفان خمسين سنة.
وروي عن سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام: لما أراد الله عز وجل إهلاك قوم نوح عليه السلام عقم أرحام النساء أربعين عاما لم يولد فيهم مولود فلما فرغ من اتخاذ السفينة أمره الله تعالى ان ينادى فيهم بالسريانية لم تبقى بهيمة ولا حيوان إلا حضر فأدخل كل جنس من أجناس الحيوان زوجين السفينة.
وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانون رجلا فقال الله تعالى (احمل فيها من كل زوجين اثنين) وكان قد نجر السفينة في مسجد الكوفة، فلما كان اليوم الذي أراد الله اهلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة وقد كان نوح عليه السلام اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السفينة وجمع لهم ما يحتاجون إليه من الغذاء وصاحت امرأته لما فار التنور، فجاء نوح إلى التنور فوضع طينا وختمه حتى أدخل جميع الحيوانات في السفينة، ثم جاء إلى التنور وفض الخاتم ورفع الطين وانكسفت الشمس ونزل من السماء ماء منهمر صب بلا قطر، وتفجرت الأرض عيونا، فقال الله عز وجل: اركبوا فيها.
فدارت السفينة ونظر نوح عليه السلام إلى ابنه يقع ويقوم فقال له: (يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين)!
فقال ابنه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء).
فقال نوح (لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم الله)!
ثم قال نوح: (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) !
فقال يا نوح (إنه ليس من أهلك انه عمل غير صالح فحال بينهما الموج فكان من المغرقين)..
دارت السفينة وضربتها الأمواج حتى وافت مكة وطافت في البيت وغرق جميع الدنيا إلا موضع البيت ، وإنما سمي البيت العتيق، لأنه أعتق من الغرق فبقى الماء ينصب من السماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فرفع نوح يده وقال (يا رهمان اتفر) وتفسيرها يا رب أحسن فأمر الله الأرض ان تبلع ماءها فأراد ماء السماء ان يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبوله، وقالت إنما أمرني أن أبلع مائي، فبقى ماء السماء على وجه الأرض واستوت السفينة على جبل الجودي، وهو بالموصل جبل عظيم، فبعث الله جبرائيل عليه السلام ، فساق الماء إلى البحار حول الدنيا.
أنزل الله على نوح: (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم) فنزل نوح عليه السلام بالموصل من السفينة مع الثمانين، وبنوا مدينة الثمانين.
قال النبي صلى الله عليه وآله: نوح أحد الأبوين.

ونحن في هذه الأيام والليالي نسأل الله أن يجعلنا من المغفور ذنوبهم، وهذه ليالي القدر تنقضي ونحن نسأل الله أن نكون من الذين شملتهم رحمته فيها، روي عن الإمام الباقر عليه السلام: “من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *