قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ

الحلقة الثالثة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من أدعية نبي الله سليمان عليه السلام، وفي معانيها دروس للعباد في الطاعة الكاملة لله وكثرة الاستغفار له وأنه عزوجل بيده ملك كل شئ، ومنه العطاء وإليه الهبة.

من المعروف أن الكثير من قصص الانبياء “عليهم السلام” وصل إليها التحريف والتزوير ونسب المعصية إلى الأنبياء مما يتعارض مع الهدف السامي الذي جاء به كل نبي، إلا أن القرآن الكريم قد بين قصة كل نبي ، حيث امتازت قصصه بالموضوعية والواقعية، وتصحيح التحريف، والإيجاز في سرد القصة” وذلك قوله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}.
على الرغم من تلك الامتيازات فهي تحتاج الى من يوضحها ويزيل عنها التشكيك والشبهة، والمتمكن من ذلك هو القرآن الكريم، وأهل البيت عليهم السلام.

عاش النبي سليمان عليه السلام في كنف ابيه النبي داود عليه السلام حيث تلقى من نبع النبوة هديها، ومن عين الصلاح سمته واثره، اذ نرى القرآن الكريم معتبراً اياه نعمة وهبة من الله سبحانه وتعالى على داود عليه السلام وذلك قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾والتعبير القرآني ﴿ وَوَهَبْنَا﴾ أي أنها هبة من الله للنبي داود عليه السلام أن رزقه هذا الابن البار ، ثم يؤكد بقوله ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي أنه مدحه الله تعالى بالعبودية، وهي مرتبه عظيمة، ووسام شرف، والمراد بقوله تعالى ﴿ أَوَّابٌ﴾ ارجاع عن كل ما يكره الله الى ما يحب.
اتصف النبي سليمان عليه السلام بعدّة صفات كان من أبرزها أنه أورثه الله تعالى ميراث أبيه، وعلمه الله سبحانه لغة الطيور، فبين الله تعالى في قوله: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾، وبذلك فقد ورث سليمان وراثة المال والعلم والنبوة والملك، وتسخير الرياح والمردة والشياطين والجن كل مسخرات لنبي الله سليمان عليه السلام.

الفتنة التي امتُحن بها النبي سليمان “عليه السلام”

الفتنة: هي البلاء والله تعالى يبتلي الأنبياء والأولياء لترفع درجاتهم عنده، وتسمو منازلهم لديه، وليتعلم الناس منهم الصبر، وذلك افتتان النبي سليمان عليه السلام من قبل الباري عز وجل بإلقائه جسداً لأنسان ميت على كرسيه في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾، قد روى الطبرسي عن الامام ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال: أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان عليه السلام ابن قال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق عليه السلام منهم عليه، فاسترضعه في المزن وهو السحاب، فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا، تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر، وإنما عوتب عليه السلام على خوفه من الشياطين.
قال الشيخ الطوسي في بيان معنى قولة تعالى ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ﴾أي اختبرناه وابتليناه وشددنا المحنة عليه، وأما قوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ فانتقد الشيخ الطوسي أقوال جملة من المفسرين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ السدي في تفسيره للآية الكريمة، وحيث اكد الشيخ الطوسي أن الله نزه الأنبياء عن القبائح، ونزه الله تعالى عن مثل ذلك، وهو أنه لا يجوز أن يمكن الله تعالى جنياً ليتمثل في صورة نبي لما في ذلك من الاستيعاد، وأن النبوة لا تكون في الخاتم ، وأنه سبحانه وتعالى لا يسلب النبي نبوته، وليس في الآية شيء من ذلك، وإنما قال فيها انه ألقي على كرسيه جسدا.

قيل في معنى ذلك الجسد، أن النبي سليمان قال يوما في مجلسه وفيه جمع كثير لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرُبُ بالسيف في سبيل الله، وكان له في ما يروي عدد كبير من السراري، فأخرج الكلام على سبيل المحبة، فنزهه الله عما ظاهره الحرص على الدنيا، لئلا يقتدي به في ذلك، فلم يحمل من نسائه إلا امرأة واحدة ولداً ميتاً، فحمل حتى وضع على كرسيه جسدا بلا روح، تنبيها له على انه ما كان يجب أن يظهر منه ما ظهر، فاستغفر الله وفزع الى الصلاة والدعاء على وجه الانقطاع.
وفي قصة النبي سليمان كثير من الوقائع التي ذكرها الله في محكم كتابه، مما تضمنته الآية الكريمة لتكون درسا للعبد المؤمن ويقينا له أن الله هو الواهب لهذه العطايا.
الهبة أن تجعل ملكك لغيرك دون عوض، ولها ركنان أحدهما التمليك، والأخر بغير عوض، والواهب هو المعطي ، والوهاب مبالغة من الوهب، والوهاب والواهب من أسماء الله الحسنى، يعطى الحاجة بدون سؤال، ويبدأ بالعطية، والله كثير النعم.
ونحن في أيام الله المباركة ويوم القدر كليلة القدر كما روى عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: صبيحة يوم ليلة القدر مثل ليلة القدر، فاعمل واجتهد.

وروي عن هشام بن الحكم رضوان الله عليه عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه قال: يومها مثل ليلتها، يعني ليلة القدر، وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله بعض أصحابنا ولا أعلمه إلا سعيد السمان: كيف تكون ليلة القدر خيرا من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، وقال أبو عبد الله عليه السلام: يومها مثل ليلتها يعني ليلة القدر، وهي تكون في كل سنة .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *