رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي

الحلقة الرابعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من أدعية النبي إبراهيم عليه السلام في كتاب الله الكريم الجامع للخيرات الدنيوية والأخروية التي ينبغي للعبد العناية بها وملازمتها، لما فيها من مقاصد ومضامين يحتاجها العبد في دنياه.

معرفة النبي إبراهيم عليه السلام الذي هو ثاني أنبياء أولي العزم، بعثه الله في بلاد ما بين النهرين؛ ليدعو الناس إلى التوحيد وحاكم عصره النمرود، فلم يؤمن به إلا القليل منهم، فلمّا يئس من إيمانهم هاجر إلى فلسطين.

وورد في القرآن الكريم أن قوم إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام، فكسر إبراهيم أصنامهم، فرموه في النار، إلا أن النار بردت بأمر الله وخرج إبراهيم منها بسلام.
جاء في الآيات القرآنية بأن بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة بأمر الله، ودعا الناس إلى الحج، كما ابتلاه الله بامتحانات، منها أمره أن يذبح ولده وبعدها فداه بذبح عظيم، وبعد أن نجح في الابتلاءات أعطاه الله مقام الإمامة إضافة إلى النبوة.

وقع الخلاف بين المفسرين الشيعة والعامة في أبي إبراهيم عليه السلام، ومما أورده صاحب تفسير الميزان قال: وفي الآية دليل على أنه عليه السلام لم يكن ولد آزر المشرك لصلبه فإنه عليه السلام كما ترى يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده، وقد تبرأ من آزر في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعده إياه ، قال تعالى: {قال سلام عليك سأستغفر لك ربى}, وقال: {واغفر لأبي إنه كان من الضالين}.
وقال رحمه الله: وأما أبو إبراهيم فقد ذكر أهل التاريخ أن اسمه تارخ – بالحاء المهملة أو المعجمة – وآزر إما لقبه أو اسم صنم أو وصف ذم أو مدح بحسب لغتهم بمعنى المعتضد أو الأعرج وصفه به إبراهيم.
وذكروا أن هذا المشرك الذي سماه القرآن أبا إبراهيم وذكر محاجته إياه كان هو تارخ أباه الصلبي ووالده الحقيقي، ووافقهم على ذلك عدة من علماء الحديث والكلام من أهل السنة، وخالفهم جمع منهم، والشيعة كالمجمع على ذلك أو هم مجمعون إلا ما يتراءى من بعض المحدثين حيث أودعوا تلك الأخبار كتبهم، وعمدة ما احتج به القائلون بأن آزر المشرك لم يكن والد إبراهيم، وإنما كان عمه أو جده لأمه ، والأخبار الواردة من طرق الفريقين في أن آباء النبي صلى الله عليه وآله كانوا موحدين جميعا لم يكن فيهم مشرك، وقد طالت المحاججة بين الفريقين.
البحث على هذا النمط كيفما تم خارج عن البحث التفسيري، وإن كان الباحثون من الفريقين في حاجة إلى إيراده واستنتاج حق ما ينتجه، لكنا في غنى عن ذلك، فقد تقدم أن الآيات دالة على أن آزر المشرك الذي يذكره الله تعالى في هذه الآيات من سورة الأنعام لم يكن والدا حقيقيا لإبراهيم عليه السلام.
وينبغي للعبد عند تأمله وتفكره بما جاء في معاني هذا الدعاء في هذه الآية، قوله: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاة﴾ أي: يا ربّ اجعلني ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها وأركانها وشروطها، وكل ما يؤدي إلى القيام بكمالها، وخصّ إقامة الصلاة بالدعاء لأهميتها؛ ولكونها شعار الإيمان ورأس الإسلام وما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: الصلاة عمود الدين، مثلها كمثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود يثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب.

وقوله: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أي: واجعل كذلك بعض ذريتي من يقيمها على الوجه الأتمّ والأكمل، لان العبد يأمل بذرية عابدة لله وقد ورد في أحاديث اهل البيت عليهم السلام.
روي إسحاق ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فلانا – رجلا سماه – قال: إني كنت زاهدا في الولد حتى وقفت بعرفة فإذا إلى جانبي غلام شاب يدعو ويبكى ويقول يا رب والدي والدي فرغبني في الولد حين سمعت ذلك.

وهذه الدعوات من خير الدعوات التي يدعو بها العبد المؤمن له ولذريته، فالأحبّ له من أن يكون مقيماً للصلاة هو وذريته على الوجه الأكمل والأتم .
وقوله : ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ أي وتقبّل دعائي، ولا يخفى في تكرار التوسل بربوبية اللَّه تعالى من كمال التضرّع والتذلل بين يدي اللَّه تعالى.
روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام قال: إذا طلب أحدكم الحاجة ، فليثن على ربه ، وليمدحه ، فإن الرجل ، إذا طلب الحاجة من السلطان ، هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه ، فإذا طلبتم الحاجة ، فمجدوا الله العزيز الجبار ، وامدحوه، وأثنوا.

وينبغي للأبناء المواظبة على الدعاء للوالدين وذلك لعظيم حقهما عليهم، وهو أقل الشكر تجاه من هم أصل الوجود، بل وأصل كل خير ونعمة حصلوا عليها، حتى العبادات التي يلتزم بها الأولاد ما كانت لو لا الآباء والأمهات، وكما علموهم من الدعاء للمؤمنين وإشراكهم في دعائهم، وما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى: دعاء الوالد لولده إذا بره، ودعوته عليه إذا عقه، ودعاء المظلوم على ظالم، ودعاؤه لمن انتصر له منه، ورجل مؤمن دعا لأخ له مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه.
ونحن في أيام هذا الشهر المبارك وقد انقضى اكثر، نسأل الله ان يجعلنا من عتقائه من النار ومن الذين يدعون للإمام عجل الله فرجه، روي عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء له قال: اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعلى إمام المسلمين ، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ، وافتح له فتحا يسيرا ، وانصره نصرا عزيزا ، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا . اللهم عجل فرج آل محمد ، وأهلك أعداءهم من الجن والإنس .
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *