رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ

الحلقة الخامسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الدعاء في هذه الآية الكريمة، من أدعية حملة عرش الله عزوجل للذين أقروا بالتوحيد لله والبراءة من كل معبود سواه ليغفر لهم ذنوبهم ويكفر عنهم، وهذا الأخبار من الأمور الغيبية التي ذكرها القرآن الكريم.
ما يحتاجه العبد في قوة إدراكه التي يسعى بها للوصول إلى العبادة الخالصة لله هي المعرفة بمخلوقات الله ومن خلق الله الملائكة.

الملائكة جَمعُ مَلَكْ ، و هم صنفٌ من خلق اللّه جَلَّ جَلالُه ، و معلوماتنا عنهم محدودة جداً ، و ذلك لأن عالمَ الملائكة ليس عالَماً محسوساً و مشهوداً بالنسبة إلينا ، فلا طريق لنا إلى معرفة عالمهم أو معرفة خصوصياتهم إلاّ بواسطة القرآن الكريم أو الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله و الأئمة من أهل بيته عليهم السلام .
وأما في القرآن وردت آيات كثيرة تدل عليهم، وأما في روايات أهل البيت عليهم السلام، روي عن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام و هو يتحدَّث عن خلق الملائكة قال:

” ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ ، وَ رُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ ، وَ صَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ ، وَ مُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ، وَ لَا سَهْوُ الْعُقُولِ ، وَ لَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ ، وَ لَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ ، وَ مِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ ، وَ أَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ ، وَ مُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَ أَمْرِهِ ، وَ مِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَ السَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ ، وَ مِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ ، وَ الْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ ، وَ الْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ ، وَ الْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ ، نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَ أَسْتَارُ الْقُدْرَةِ ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ ، وَ لَا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ ، وَ لَا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ ، وَ لَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.

وفي رواية الإمام الصادق عليه السلام قال: خلق الله الملائكة مختلفة وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرئيل وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل قد ملأ ما بين السماء والأرض، وقال عليه السلام: إذا أمر الله عز وجل ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله في السماء السابعة والأخرى في الأرض السابعة، وإن لله ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك.
وقال عليه السلام: إن لله ملكا بعد ما بين شحمة أذنه إلى عينه مسيرة خمسمائة عام بخفقان الطير.
وقال: إن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون بنسيم العرش، وإن لله عز وجل ملائكة ركعا إلى يوم القيامة وإن لله عز وجل ملائكة سجدا إلى يوم القيامة.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من شئ مما خلق الله عز وجل أكثر من الملائكة وإنه ليهبط في كل يوم أو في كل ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يأتون أمير المؤمنين عليه السلام فيسلمون ثم يأتون الحسين عليه السلام فيقيمون عنده فإذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا.

وفي هذه الآية الكريمة معاني ودلالة يتلطف بها الرحمن على عباده في تقوية إيمانهم أنه تعالى يخبرهم عن المستغفرين لهم، وقد قال صاحب تفسير الميزان رحمه الله:
لما ذكر سبحانه تكذيب الذين كفروا و جدالهم في آيات الله بالباطل و لوح إلى أنهم غير معجزين و لا مغفول عنهم بل معنيون في هذه الدعوة و العناية فيهم أن يتميزوا فيحق عليهم كلمة العذاب فيعاقبوا عاد إلى بدء الكلام الذي أشار فيه إلى أن تنزيل الكتاب و إقامة الدعوة لمغفرة جمع و قبول توبتهم و عقاب آخرين فذكر أن الناس قبال هذه الدعوة قبيلان:
قبيل تستغفر لهم حملة العرش و الحافون به من الملائكة و هم التائبون إلى الله المتبعون سبيله و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم.
و قبيل ممقوتون معذبون و هم الكافرون بالتوحيد. قوله تعالى: « اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ‌ بِهِ‌ » إلى آخر الآية. لم يعرف سبحانه هؤلاء الحاملين للعرش من هم‌؟ و لا في كلامه تصريح بأنهم من الملائكة لكن يشعر عطف قوله: « وَ مَنْ حَوْلَهُ‌ عليهم و قد قال فيهم : «وَ تَرَى اَلْمَلاٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ‌:» الزمر: 75 أن حملة العرش أيضا من الملائكة.
قوله: « اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ‌ » أي الملائكة الذين يحملون العرش الذي منه تظهر الأوامر و تصدر الأحكام الإلهية التي بها يدبر العالم، و الذين حول العرش من الملائكة و هم المقربون منهم. و قوله: « يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ‌ » أي ينزهون الله سبحانه، و الحال أن تنزيههم له يصاحب ثناؤهم لربهم، فهم ينزهونه تعالى عن كل ما لا يليق بساحة قدسه، و من ذلك وجود الشريك في ملكه، و يثنون عليه على فعله و تدبيره.
وما قاله الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه الاعتقادات في دين الإمامية -الصفحة ٤٥ -٤٦.
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله اعتقادنا في العرش أنه جملة جميع الخلق، والعرش في وجه آخر هو العلم.
وسئل الامام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: “استوى من كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء”.
فأما العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحملته ثمانية من الملائكة، لكل واحد منهم ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا:
واحد منهم على صورة بني آدم، فهو يسترزق الله تعالى لولد آدم.
واحد منهم على صورة الثور، يسترزق الله للبهائم كلها،
وواحد منهم على صورة الأسد، يسترزق الله تعالى للسباع،
وواحد منهم على صورة الديك، فهو يسترزق الله للطيور.
فهم اليوم هؤلاء الأربعة، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية.

وأما العرش الذي هو العلم، فحملته أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين.
فأما الأربعة من الأولين: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى.
وأما الأربعة من الآخرين: فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين صلى الله عليهم.
هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة عليهم السلام في العرش وحملته، وإنما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم ، لأن الأنبياء الذين كانوا قبل نبينا صلى الله عليه وآله كانوا على شرائع الأربعة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن قبل هؤلاء صارت العلوم إليهم، وكذلك صار العلم من بعد محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام إلى من بعد الحسين من الأئمة عليهم السلام.

ونحن في هذه الأيام المباركة الكريمة نسأل الله أن نكون من الذين شملتهم رحمته وغفرانه وتمسكنا بولاية محمد وآل محمد، الذين وصفوا شيعتهم بما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال: ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلاّ بالتواضع والتخشّع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، وتعهّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *