التطبيق التاسع عشر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ، الَّذِي لاَ يُدْركُهُ بُعْدُ الهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَنِ، الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ. فَطَرَ الخَلائِق بـقُدْرَتِهَ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.(*)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد

التطبيق التاسع عشر

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)(1)

خطاب الرحمة من الله سبحانه وتعالى لكي يرجعوا لأصل إيمانهم، و قد ذكر لهم نعمة أخرى و هي: العفو عنهم حتى الذين يغيرون في عقيدتهم، و خطاب الرحمة هذا ليس لهم فقط بل لكل المجتمع، لا بد لكل إنسان أن يكون قوي الإيمان لكي لا ينخدع ببعض كلمات أهل الضلال أو أفعالهم المضلة التي هي موجودة عند الأبالسة من الجن، و قد علموها أنصارهم من البشر، كالتلاعب في مخيلات الأحلام وجلب شخصيات وهمية في الاحلام متمثلة بخاتم الأنبياء صلوات الله عليه و على آل بيته الطيبين، و الحجة المنتظرعجل الله فرجه الشريف.
هناك أساليب كثيرة للتضليل منها ما فعله السامري ببسطاء بني إسرائيل، و تمكن من ذلك، لأنه من حزب الشيطان، مع وجود وصي موسى عليهم السلام، ولكن سكت عنهم
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }(2)

لأنه ليس مأمورا بثورة ضد هؤلاء، بل مأمور بحفظ النفس لكي يتمم دور موسى من بعد رحيله، و هناك سبب آخر {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) }(3)

السبب الثاني إذا تحرك النبي هارون عليه السلام زادت المشكلة و الفتنة فتوقف إلى رجوع موسى عليه السلام .

و مع ذلك أن النبي هارون عليه السلام نصح القو،م و لكن ليس هناك من مجيب، فتوقف لسسببين {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ (91)(4)

ضل بنو إسرائيل لأسباب متعددة تخييلية منها ما ورد عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام: قال الله عز وجل: ” وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ” قال: كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل……[أخره الله عشر ليالي لسبب ]فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل، فقال: وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون، أخطأ موسى ربه وقد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه، وأنه لم يبعث موسى عليه السلام لحاجة منه إليه، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله، فقالوا: كيف يكون العجل إلهنا؟ قال: إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة، فلما سمعوا منه كلاما قالوا له: إنه في العجل كما في الشجرة، فضلوا بذلك وأضلوا، فلما رجع موسى إلى قومه قال: يا أيها العجل أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل وقال:
غر ربنا من أن يكون العجل حاويا له، أو شئ من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا، لا والله يا موسى، ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى حائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلم ما تكلم لما قال: ” هذا إلهكم وإله موسى ” يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين، وجحودهم بموالاتهم وبنبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها، قال الله عز وجل: فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعلي وقد شاهدتموهما وتبينتم آياتهما ودلائلهما. (5)

و الرحمة التي يجب تعلمها، أن الله يتقبل توبة من ضل من الذين ليس عندهم سعة أفق و لايعلمون، و المعبر عنهم بالسفهاء{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}(6)

أما من أضل الناس ليس له التوبة:

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)(7)

و خطاب يتعدى إلى الإنسانية و ليس بني إسرائيل فقط، حيث يجب الفحص بالطرق العلمية للدين الصحيح و المذهب الصحيح، و تتعدي لنا نحن أتباع أهل البيت عليهم السلام، فلابد من الالتفات إلى أن حزب الشيطان عنده سبل كثيرة مقنعة لمن لا يتحصن بالعلم، فلابد من معرفة طرق التضليل، و بث الثقافة في المجتمع على ذلك، و لا تستصغر عدوك، و يكفي في الاستدلال على عدم استصغار عدوك ذكر هذه النصيحة في القرآن الكريم في كثير من المواضع:

الأول – نصح الله بالاستعاذة بالله من الشيطان:

  • {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} * (8).
  • {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} * (9).
  • {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} * (10).
  • {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} * (11).

الثاني-
نصح الله في القرآن الكريم أن عداوة الشيطان للإنسان * {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} * (12).

  • {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} * (13).
  • {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} * (14).

الثالث –
التحذير من فتن الشيطان

  • {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} * (15).
  • {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير} * (16).

—————————————————————

*-الطبرسي – الإحتجاج – ج1 – ص294.

1- البقرة : 51، 52.

2- الأعراف: 150.

3- طه:92 ، 93 ، 94.

4- طه :88، 89 ، 90.

5- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 13- الصفحة 230، 231،232.

6- الأعراف:151 ،152 ،153، 154 ، 155.

7- طه :95، 96، 97، 98، 99.

8- المؤمنون: 97.

9- النحل: 98.

10- آل عمران: 36.

11- الأعراف: 200.

12- فاطر: 6.

13- يوسف: 5.

14- الإسراء: 53.

15- الأعراف: 27.

16- الحج: 3، 4.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *