رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ

الحلقة السادسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الدعاء في هذه الآية الكريمة، من الأدعية الجامعة في التقرب إلى الله والتوسل إليه، وتحمل في معاني ومضامين عالية ينبغي للعبد الاستفادة فيها في الدنيا حتى يرتقي في التوفيق في الشكر والبر والعمل الصالح وتجديد عهد الطاعة لله.

العبد في عبادته لله يحتاج إلى ما يفرغ قلبه من التمسك الحسن في طاعة الله، فيلجأ إلى الدعاء، و يسأل الله أن يلهمه الثناء عليه بإظهار نعمته قولاً وفعلاً، أما قولاً فظاهر، وأما فعلاً فباستعمال هذه النعم استعمالاً يظهر به أنها لله سبحانه أنعم بها عليه وليست له من قبل نفسه، ولازمه ظهور العبودية والمملوكية من هذا العبد في قوله وفعله جميعاً.
وتفسير النعمة بقوله: {التي أنعمت عليّ وعلى والديّ} يفيد شكره من قبل نفسه على ما اختص به من النعمة، ومن قبل والديه فيما أنعم به عليهما، فهو لسان ذاكر لهما بعدهما.
فإن الشكر يحلي ظاهر الأعمال، والصلاحية التي يرتضيها الله تعالى تحلّي باطنها وتخلّصها له تعالى.
روي عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قوله: “القوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها.

ومن التربية الحقيقية التي أنعم الله على العبد فيها أن يتعلم من مدرسة أهل البيت عليهم السلام كيفية الشكر، فحفظها علماؤنا الأبرار، وعلموها للناس، كي تكون العبادة الحقة مستمرة في هذا الطريق الجليل.
يقول المحقق الطوسي قدس سره: “الشكر أشرف الأعمال وأفضلها، واعلم أن الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية وله أركان ثلاثة:
الأول: معرفة المنعم وصفاته اللائقة به، ومعرفة النعمة من حيث إنها نعمة ولا تتم تلك المعرفة إلا بأن يعرف أن النعم كلها جليها وخفيها من الله سبحانه وأنه المنعم الحقيقي وأن الأوساط كلهم منقادون لحكمه مسخرون لأمره.
الثاني: الحال التي هي ثمرة تلك المعرفة، وهي الخضوع والتواضع والسرور بالنعم، من حيث إنها هدية دالة على عناية المنعم بك وعلامة ذلك أن لا تفرح من الدنيا إلا بما يوجب القرب منه.
الثالث: العمل الذي هو ثمرة تلك الحال فان تلك الحال إذا حصلت في القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه، وهذا العمل يتعلق بالقلب واللسان والجوارح.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام: “من أُعطي الشكر أُعطي الزيادة، يقول الله عز وجل ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾.

ومما لاشك فيه نفاسة الوقت، وجلالة العمر، وأنه أعز ذخائر الحياة وأنفسها. وحيث كان الوقت كذلك، وجب على العبد أن يستغله فيما يليق به، ويكافئه عزةً ونفاسة من الأعمال الصالحة، والغايات السامية، الموجبة لسعادته ورخائه الدنيوي والأخروي.
روي عن أبا ذر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : “يا أبا ذر، إنّك في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيراً يوشك أن يحصد خيراً، ومن يزرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع.

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن العمل الصالح يذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثم قرأ عليه السلام هذه الآية:(وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون).

وقال صاحب تفسير الميزان رحمه الله :
وقوله: {وأصلح لي في ذريتي} الإِصلاح في الذرية إيجاد الصلاح فيهم وهو من الله سبحانه توفيقهم للعمل الصالح وينجرّ إلى إصلاح نفوسهم، وتقييد الإِصلاح بقوله: {لي} للدلالة على أن يكون إصلاحهم بنحو ينتفع هو به أي أن يكون ذريته له في برّه وإحسانه كما كان هو لوالديه.
ومحصّل الدعاء سؤال أن يلهمه الله شكر نعمته وصالح العمل وأن يكون بارَّاً محسناً بوالديه ويكون ذريته له كما كان هو لوالديه، وقد تقدَّم غير مرَّة أن شكر نعمه تعالى بحقيقة معناه هو كون العبد خالصاً لله فيؤول معنى الدعاء إلى سؤال خلوص النفس وصلاح العمل.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أربعة من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون والولد البار.
وروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال: “من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبهه خلقه وخلقه وشمائله.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “مرّ عيسى ابن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه. ثم مرّ به من قابل، فإذا هو ليس يُعذّب. فقال عليه السلام: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أول وهو يُعذّب، ومررت به العام وهو ليس يُعذبّ! فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا روحالله، قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً، فغفرت له بما عمل ابنه.ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ميراث الله عزّ وجلّ من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده.
وقال صاحب تفسير الميزان رحمه الله:
وقوله: {إني تبت إليك وإني من المسلمين} أي الذين يسلمون الأمر لك فلا تريد شيئاً إلا أرادوه بل لا يريدون إلا ما أردت.
والجملة في مقام التعليل لما يتضمنه الدعاء من المطالب، ويتبين بالآية حيث ذكر الدعاء ولم يردّه بل أيَّده بما وعد في قوله: {أُولئك الذين نتقبّل عنهم} أن التوبة والإِسلام لله سبحانه إذا اجتمعا في العبد استعقب ذلك إلهامه تعالى بما يصير به العبد من المخلصين.
روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحد قبلي الإسلام هو التّسليم.

روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، قال: الإيمان له أربعةُ أركان: التّوكّل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرّضا بقضاء الله، والتّسليم لأمر الله عزّ وجل.

من هو المسلم؟
هو من أقرّ بالله رباً وإلهاً واحداً وينفي الربوبية والأُلوهية عن غيره، و يقر بنبوة النبيِّ محمد صلّى الله عليه وآله. ويتخّذ الإسلام ديناً، ويتبع النبيَّ الأكرم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله نبياً ورسولاً، ويكون مسلِّماً لأوصيائه عليهم السلام.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *