رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ

الحلقة السابعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من أدعية أهل الإيمان المخلصين الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز، وقد دلت دعواتهم على غاية الأهمية من المحبة والتآخي في قلوب المؤمنين، فإن حقوق المؤمن على المؤمن كثيرة، ومنها الدعاء له في غيبته أي في حياته وبعد موته.
فجمعوا في هذه الدعوة المباركة بين سلامة القلب، وسلامة الألسن، فليس في قلوبهم أي ضغينة، ولا وقيعة، ولا استنقاص لأحد بالذكر في اللسان، دلالة على اجتماع المحبّة الصادقة للَّه ربِّ العالمين.
وقد ذكر المفسرون الدلالة في هذه الآية ، منهم:
١- صاحب تفسير الميزان :
دعاء لأنفسهم و السابقين من المؤمنين بالمغفرة، و في تعبيرهم عنهم بإخواننا إشارة إلى أنهم يعدونهم من أنفسهم كما قال الله تعالى: «بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ‌» : النساء: 25، فهم يحبونهم كما يحبون أنفسهم و يحبون لهم ما يحبون لأنفسهم. و لذلك عقبوه بقولهم: « وَ لاٰ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنٰا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنٰا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ‌ » فسألوا أن لا يجعل الله في قلوبهم غلا للذين آمنوا و الغل العداوة.
و في قوله: « لِلَّذِينَ آمَنُوا » تعميم لعامة المؤمنين منهم و ممن سبقهم و تلويح إلى أنه لا بغية لهم إلا الإيمان.

٢- قول صاحب مجمع البيان:
أي يدعون و يستغفرون لأنفسهم و لمن سبقهم بالإيمان «وَ لاٰ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنٰا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا» أي حقدا و غشا و عداوة، سألوا الله سبحانه أن يزيل ذلك بلطفه، و هاهنا احتراز لطيف، و هو أنهم أحسنوا الدعاء للمؤمنين و لم يرسلوا القول إرسالا، و المعنى اعصمنا ربنا من إرادة السوء بالمؤمنين، و لا شك أن من أبغض مؤمنا و أراد به السوء لأجل إيمانه فهو كافر، و إذا كان لغير ذلك فهو فاسق.

تلاقي العبارات من المفسرين التي تعطي البيان من أقوالهم حوا حقوق المؤمن على أخيه المؤمن كثيرة ، فالعبد يتطلع لما قد ورد في كتاب الله العزيز وأحاديث أهل البيت عليهم السلام في مثل هذه الحقوق ليتعلمها ويعمل بها لتكون نورا يسعى أمامه فيضئ دربه في الدنيا والآخرة.

روي عَنِ اَلْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا حَقُّ اَلْمُؤْمِنِ عَلَى اَلْمُؤْمِنِ قَالَ عليه السلام: إِنِّي عَلَيْك شَفِيقٌ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعْلَمَ وَ لاَ تَعْمَلَ وَ تُضَيِّعَ وَ لاَ تَحْفَظَ ، فَقُلْتُ :لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ قَالَ عليه السلام : لِلْمُؤْمِنِ عَلَى اَلْمُؤْمِنِ سَبْعَةُ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ وَ لَيْسَ مِنْهَا حَقٌّ إِلاَّ وَ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى أَخِيهِ إِنْ ضَيَّعَ مِنْهَا حَقّاً خَرَجَ مِنْ وَلاَيَةِ اَللَّهِ وَ تَرَكَ طَاعَتَهُ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ أَيْسَرُ حَقٍّ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ أَنْ تَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُهُ لِنَفْسِكَ وَ اَلثَّانِي أَنْ تُعِينَهُ بِنَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ لِسَانِكَ وَ يَدَيْكَ وَ رِجْلَيْكَ وَ اَلثَّالِثُ أَنْ تَتَّبِعَ رِضَاهُ وَ تَجْتَنِبَ سَخَطَهُ وَ تُطِيعَ أَمْرَهُ وَ اَلرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ عَيْنَهُ وَ دَلِيلَهُ وَ مِرْآتَهُ وَ اَلْخَامِسُ أَنْ لاَ تَشْبَعَ وَ يَجُوعَ وَ تَرْوَى وَ يَظْمَأَ وَ تَكْتَسِيَ وَ يَعْرَى وَ اَلسَّادِسُ أَنْ يَكُونَ لَكَ خَادِمٌ وَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ وَ لَكَ اِمْرَأَةٌ تَقُومُ عَلَيْكَ وَ لَيْسَ لَهُ اِمْرَأَةٌ تَقُومُ عَلَيْهِ أَنْ تَبْعَثَ خَادِمَكَ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَ يَصْنَعُ طَعَامَهُ وَ يُهَيِّئُ فِرَاشَهُ وَ اَلسَّابِعُ أَنْ تُبِرَّ قَسَمَهُ وَ تُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَ تَعُودَ مَرْضَتَهُ وَ تَشْهَدَ جَنَازَتَهُ وَ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ تُبَادِرُ مُبَادَرَةً إِلَى قَضَائِهَا وَ لاَ تُكَلِّفْهُ أَنْ يَسْأَلَكَهَا فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَصَلْتَ وَلاَيَتَكَ بِوَلاَيَتِهِ وَ وَلاَيَتَهُ بِوَلاَيَتِكَ .

والمكانة التي اعطيت للأخوة حيث آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين والأنصار في يثرب بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) لها من مكة واتخاذها عاصمة للدولة الإسلامية ومنطلقا للدعوة المحمدية، فجاء في ما على كل مؤمن تجاه أخيه المؤمن من حقوق في شتى المجالات في أحاديث أهل البيت (عليه السلام) كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الإخوان في الله تعالى تدوم مودتهم لدوام سببها.

ومن الأمور المهمة التي على العبد فعلها هو الاجتناب عن ظلم أخيه المؤمن.
روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: يا معاشر شيعتنا اتّقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً وإن لم تكونوا بالله كافرين، فتوقّوها بتوقّي ظلم إخوانكم المؤمنين، وإنّه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلاّ ثقّل الله تعالى في تلك الدار سلاسله وأغلاله ولم يُقِلْه بفكِّه منها إلاّ بشفاعتنا، ولن نشفع له إلى الله تعالى إلاّ بعد أن نشفع له في أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا وإلاّ طال في النار مكثه.

النظر الى وجه أخيه المؤمن:
روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن حبا له عبادة.

وحكى الإمام الصادق عليه‌ السلام لأصحابه ، ما قاله جده الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ، في فضل دعاء المؤمن ، لإخوانه المؤمنين.
روي عن الإمام الصادق عليه‌ السلام أنه قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله : ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات ، إلا رد الله عز وجل عليه ، مثل الذي دعا لهم به ، من كل مؤمن ومؤمنة ، مضى من أول الدهر ، أو هو آت إلى يوم القيامة ، إن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب ، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا رب ، هذا الذي كان يدعو لنا ، فشفعنا فيه ، فيشفعهم الله عزوجل فيه ، فينجو .

وقد تضمنت هذه الدعوة فوائد:

أهمية هذه الدعوة المباركة التي ينبغي لكل للعبد المؤمن الإكثار منها في ليله ونهاره، فإن ثمارها ومنافعها لا تُحصى في الدنيا والآخرة.

أن من أعظم حقوق المؤمن على المؤمن الدعاء .
أهمية سؤال اللَّه تبارك وتعالى المغفرة؛ لأن من عظيم ثمارها زوال السيئات والمكروهات، وحصول النعم والخيرات، والفوز بالجنات.
ينبغي للمؤمن ألا ينسى فضل من سبقه بالإيمان، فيذكره بالثناء والدعاء.
جمع هذا الدعاء توسلين جليلين من التوسلات المهمة، وهما: التوسل إليه بربوبيته، كما في قوله: ﴿رَبَّنَا﴾، وباسمين من أسمائه الحسنى: ﴿رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ .

ونحن نسأل الله في هذه الأيام المباركة والشهر الكريم التي انقضت أكثر أيامه وبقي القليل أن تغفر لنا وترحمنا، وتجعل إخوتي المؤمنين من عتقائك من النار ،
وتجعلني وإياهم من الذين صدحت حناجرهم بالدعاء لوليك القائم المنتظر عجل الله فرجه ،فقالوا:
اللهم صل على حجّتك في أرضك ، وخليفتك في بلادك ، والداعي إلى سبيلك ، والقائم بقسطك ، والثائر بأمرك ، ولي المؤمنين ، وبوار الكافرين ، ومجلي الظلمة ، ومنير الحق ، والساطع بالحكمة والصدق ، وكلمتك التامّة في أرضك ، المرتقب الخائف ، والولي الناصح ، سفينة النجاة ، وعلم الهدى ، ونور أبصار الورى ، وخير من تقمّص وارتدى ، ومجلي العمى ، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملأت ظلماً وجوراً ، إنّك على كل شيء قدير .
اللهم صل على وليك وابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم ، و أوجبت حقّهم ، وأذهبت عنهم الرجس ، وطهّرتهم تطهيراً .

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *