رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ

الحلقة الثامنة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من الأدعية التي أمر الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكرها ،وفي معانيه ومضمونه حلاوة الارتباط بين العبد وربه.

اختلف أهل التفسير في تأويل هذه الآية الكريمة وتعدد فمنهم :

من قال: و قوله: « وَ اِجْعَلْ‌ لِي مِنْ‌ لَدُنْكَ‌ سُلْطٰاناً نَصِيراً » أي سلطنة بنصرتي على ما أهم به من الأمور و أشتغل به من الأعمال فلا أغلب في دعوتي بحجة باطلة، ولا افتتن بفتنة أو مكر يمكرني به أعداؤك، و لا أضل بنزغ شيطان ووسوسته.

و الآية كما ترى مطلقة تأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يسأل ربه أن يتولى أمره في كل مدخل و مخرج بالصدق، و يجعل له سلطانا من عنده ينصره فلا يزيغ في حق، و لا يظهر بباطل، فلا وجه لما ذكره بعض المفسرين أن المراد بالدخول و الخروج دخول المدينة بالهجرة و الخروج منها إلى مكة للفتح، أو أن المراد بهما دخول القبر بالموت و الخروج منه بالبعث.
وهذا قول صاحب تفسير الميزان رحمه الله.

وأما قول صاحب مجمع البيان رحمه الله:
«رَبِّ‌ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ‌ صِدْقٍ‌ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ‌ صِدْقٍ‌» المدخل و المخرج هنا مصدر الإدخال و الإخراج فالتقدير أدخلني إدخال صدق و أخرجني إخراج صدق و في معناه أقوال :
(أحدها) أن المعنى أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخال صدق و أخرجني منه سالما إخراج صدق أي أعني على الوحي و الرسالة عن مجاهد.
(وثانيها) أن معناه أدخلني المدينة و أخرجني منها إلى مكة للفتح عن ابن عباس و الحسن و قتادة و سعيد بن جبير .
(و ثالثها) أنه صلى الله عليه وآله أمر بهذا الدعاء إذا دخل في أمر أو خرج من أمر، و المراد أدخلني كل أمر مدخل صدق، عن أبي مسلم .
(و رابعها) أن المعنى أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق، عن عطية عن ابن عباس ، و مدخل الصدق ما تحمد عاقبته في الدنيا و الدين و إنما أضاف الإدخال و الإخراج إليه سبحانه و إن كانا من فعل العبد لأنه سأله اللطف المقرب إلى خير الدين والدنيا.

إن المؤمن بعد معرفته لمدخل الصدق ومخرج الصدق في الدنيا والآخرة يراجع نفسه في التمسك بآل البيت عليهم السلام، وإذا راجع وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ووصايا الأئمة بعضهم لبعض، ووصاياهم للخواص من شيعتهم، والخلّص من مواليهم، ووصاياهم البليغة جدّاً التي كانوا يوصون بها محبّيهم، ويُحذّرونهم من معصية الله تعالى والتأكيد عليهم في الابتعاد عن مخالفة الله سبحانه في أصول الأحكام وفروعها، والمدوّنة في كتب الأخبار، يعرف أن كل مدخل ومخرج مرتبط بهم عليهم السلام.
وإذا أراد المؤمن الدخول الصادق والخروج الصادق الذي يعطيه كل خير من تلك الأمور إقامة الشعائر، فهي التي أوصانا الله بها ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله والأئمة بإحيائها، وقد وردت أحاديث عن أهل بيت العصمة.
روى عبد الله بن مسعود، قال: “أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج إلينا مستبشراً يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلّا أخبرنا به، ولا سكتنا إلّا ابتدأنا، حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين عليهما السلام، فلمّا رآهم التزمهم وانهملت عيناه.
فقلنا: يا رسول الله، ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه.
فقال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً أو تشريداً في البلاد.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة.

المؤمن في معرفته بما في الروايات من تأكيد استمرارية ذكر مصيبة الحسين (عليه السلام) والمواظبة عليها.
عن داوود الرقي، قال: “كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذا استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: يا داوود، لعن الله قاتل الحسين (عليه السلام)، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، ولعن قاتله، إلّا كتب الله} له مائة ألف حسنة، وحطَّ عنه مائة ألف سيّئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله} يوم القيامة ثلج الفؤاد.
ونحن في هذه الأيام المباركة نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يقيمون الشعائر ، بصدق الفعل والعمل فنقول في دعائنا بتعجيل الفرج لصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه كما قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في دعاء له : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعلى إمام المسلمين ، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ، وافتح له فتحا يسيرا ، وانصره نصرا عزيزا ، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا . اللهم عجل فرج آل محمد ، وأهلك أعداءهم من الجن والإنس.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *