ربِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ

الحلقة التاسعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

{ربِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة مما أخبر الله به نبيه صلى الله عليه وآله، من أدعية المؤمنين وخلده الله تعالى في كتابه الكريم ليكون عمل العبد الراجي لقاءه من التوسل لله وبأسمائه الحسنى، أن يُسدّده ويُوفقه في الأقوال والأفعال.

اختلفت الدلالة على من هو المخاطب عند المفسرين، وتلاقت عند المعنى لتعطي من عبق عبيرها روائع الكلم، فقال صاحب تفسير الميزان رحمه الله:

قوله تعالى: « وَ قُلْ رَبِّ اِغْفِرْ وَ اِرْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلرّٰاحِمِينَ‌ » خاتمة السورة و قد أمر فيها النبي ص أن يقول ما حكاه عن عباده المؤمنين أنهم يقولونه في الدنيا و أن جزاء ذلك هو الفوز يوم القيامة: « إِنَّهُ كٰانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبٰادِي يَقُولُونَ‌ » الآيتان 109 و 111 من السورة. و بذلك يختتم الكلام بما افتتح به في أول السورة: « قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ‌».
وما قاله صاحب مجمع البيان:
«وَ قُلْ‌» يا محمد «رَبِّ اِغْفِرْ» الذنوب «وَ اِرْحَمْ‌» و أنعم على خلقك «وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلرّٰاحِمِينَ‌» أي أفضل المنعمين و أكثرهم نعمة و أوسعهم.

وما قال صاحب التبيان في تفسيره:
ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) فقال له «قل» يا محمد «رَبِّ اِغْفِرْ وَ اِرْحَمْ‌» أي اغفر الذنوب، و أنعم على خلقك. «وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلرّٰاحِمِينَ‌» معناه أفضل من رحم و أنعم على غيره، و أكثرهم نعمة و أوسعهم فضلا.

يُعتبرُ الإيمان هو الصلِّة بين العبد وربه، فيبقى من خلاله متصلاً بالله متعبداً إليه، ويرجع إليه في النائبات والشدائد، وقد فطر الله الخلق على هذه العلاقة حتى يكون العبد في استقرار نفسي وإشباع روحي.
كل مؤمن في إشفاقه على نفسه يبحث عن الإيمان الذي أراده الله منه، متوقفا على المعرفة التي يريدها، فتكون النتيجة من خلال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، نظرا لتعلق الإيمان الحقيقي بهم، وتعلق الرحمة والمغفرة في معرفة حقيقة الإيمان.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: إن الناس يعبدون الله عزّ وجلّ على ثلاثة أوجه :
فطبقة يعبدونه رغبة إلى ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع .. وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة .. ولكنّي أعبده حبًا له فتلك عبادة الكرام وهو الأمن ، لقوله تعالى :
{وهم من فزع يومئذٍ آمنون } {قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} ، فمن أحب الله عزّ وجلّ أحبه الله ، ومن أحبه الله عزّ وجلّ كان من الآمنين.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبة له: هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى.

ولقد كان أصحاب الأئمة عليهم السلام المخلصين من الثابتين على الإيمان والولاية، والذين صدقوا مع أهل البيت عليهم السلام رغم الترهيب والترغيب، وهذا النموذج منه ميثم التمار الذي كان من خواص أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّه ما زال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحدّث بفضائل أهل البيت عليهم السلام وأمير المؤمنين عليه السلام ومثالب أعدائهم أمثال ابن زياد، حتى أمر الأخير بإحضاره فأُدخل عليه فقيل: هذا كان من آثر الناس عند علي.
قال: ويحكم هذا الأعجمي؟! قيل له: نعم.
قال له عبيدالله: أين ربّك؟
قال: بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة.
قال: إنّك على عُجمتك لتبلغ الذي تريد، ما أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟
قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة.
قال: لنخالفنّه.
قال: كيف تُخالفه؟! فوالله ما أخبرني إلّا عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الّذي أُصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام.
وأمر ابن زياد بميثم أن يصلب، فأُخرج فقال له رجل لَقِيَه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم!
فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة: لها خُلقت ولي غُذّيت.
فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم،
فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.
فقال: ألجموه.
فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام.

ونحن في هذه الأيام المباركة نسأله الله أن يجعلنا من الثابتين على الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.
لتصدح حناجر المؤمنين بدعاء الإمام الصادق عليه السلام في الثبات قال:
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَابْعَثْني عَلى الإيمانِ بِكَ وَالتَّصْديقِ بِرَسُولِكَ عَلَيْهِ وَالِهِ السَّلامُ، وَالوِلايَةِ لِعَليٍّ ابْنُ أَبي طَالِبٍ، وَالبَراءَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَالإِيتِمامِ بِالاَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمٍَّد عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَإنّي قَدْ رَضِيتُ بِذلِكَ يا رَبِّ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ في الاَوَّلينَ، وَصَلِّ عَلى مُحّمَّدٍ في الاخِرينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ في المَلأِ الاَعْلى، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ في الْمُرْسَلينَ، اَللّهُمَّ إعْطِ مُحَمَداً الوَسِيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْكَبيرَةَ.
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَقَنِّعْني بِما رَزَقْتَني، وَبارِكْ لي فيما أَعْطَيْتَني، وَاحْفَظْني في غَيْبَتي، وَفي كُلِّ غائِبٍ هُوَ لي.

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *