رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

الحلقة الثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

{رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

هذا الدعاء في هذه الآية الكريمة من أدعية نبي الله موسى عليه السلام، يحمل في معانيه ومضمونه التوسل التام لله عز وجل، ويعطي كمال الطلب بين العبد وربه في النجاة مما هو فيه من كرب.

وقد بين المفسرون في تفاسيرهم قصة هذه الآية الكريمة ومنهم:
صاحب تفسير الميزان رحمه الله قال:

قوله تعالى: « فَخَرَجَ مِنْهٰا خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ قٰالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ‌ » فيه تأييد أنه ما كان يرى قتله القبطي خطأ جرما لنفسه.

ففي تفسير القمي، قال “:فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال و كان ينكر عليه ما يتكلم به موسى عليه السلام، من التوحيد حتى هم به فخرج موسى من عنده، و دخل المدينة فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى ، و الآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضى عليه و توارى في المدينة. فلما كان الغد جاء آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له. أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمٰا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ‌ ؟ فخلى عن صاحبه و هرب.

و في العيون، بإسناده إلى علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الإمام الرضا عليه السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون‌؟
قال: بلى.
قال: فأخبرني عن قول الله: «فَوَكَزَهُ مُوسىٰ فَقَضىٰ عَلَيْهِ قٰالَ هٰذٰا مِنْ‌ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ‌ » قال الإمام الرضا عليه السلام: إن موسى عليه السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات، قال: هٰذٰا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطٰانِ يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله « إِنَّهُ‌ » يعني الشيطان « عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ‌». قال المأمون: فما معنى قول موسى: « رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي»؟
قال عليه السلام: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له إنه هو الغفور الرحيم.

قال موسى: رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.
فأصبح موسى عليه السلام، في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى إنك لغوي مبين قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنك، وأراد أن يبطش به فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما، و هو من شيعته قٰالَ‌: يٰا مُوسىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمٰا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ‌ جَبّٰاراً فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْمُصْلِحِينَ‌ .
قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن.
وعلى هذا قول أكثر المفسرين.

العبد المؤمن يدعو الله بهذا الدعاء في كل شدة تلم به وهذا الدعاء خلده الله في كتابه الى قيام الساعة، ليحفظه عباده المخلصون، ويستذكرون ويتباحثون من نطق به غير نبي الله موسى عليه السلام لتدمع أعينهم على قائل غيره، وهو : سبط النبي صلى الله عليه وآله وابو الأئمة عليهم السلام، الامام الحسين عليه السلام،
عندما كان الخطر عليه، ولم يكن يزيد ليحترم المدينة، وقد قام بواقعة الحرَّة بعد واقعة كربلا، وهو مَن كتب بعد هلاك معاوية إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبةَ بن أبي سفيان أن يأخذ الإمام الحسين – عليه السَّلام – بالبيعة له ولا يرخص له في التأخر عن ذلك، حتى جرت بين الإمام – عليه السلام – ومروان – وكان حاضراً ذلك المجلس – مناوشةٌ بالكلام، وكان قد أشار على الوليد أن لا يسمح للإمام الحسين – عليه السَّلام – بالخروج قائلاً:” والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه”فها أنت ترى أنَّهم خيَّروه ،عليه السلام ،بين السلّة ،وهي القتل ،والذلَّة ،وهي البيعة، فخرج ،عليه السلام – بعد يومين من مدينة جدّه صلى الله عليه وآله ،وهو يتلو قوله تعالى:”فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ”ليطابق لسانُ المقال لسانَ الحال.

نعم هم صفوة الخلق، وحجج العباد، وسفن النجاة، وخير من أقلته الأرض وأظلته السماء بعد جدهم الأعظم صلى اللّه عليه وآله حسباً ونسباً وفضائل وأمجاداً.
وكيف يرتضي الوجدان السليم محبة النبي صلى اللّه عليه وآله دون أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، الجديرون بأصدق مفاهيم الحب والود، وإنها بلاريب محبة زائفة تنمّ عن نفاق ولؤم، كما جاء عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله في بعض أسفاره، إذ هتف بنا أعرابي بصوت جمهور، فقال: يا محمد.
فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله: ما تشاء؟
فقال: المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم.
فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: المرء مع من أحب.
فقال: يا محمد، اعرض عليَّ الإسلام.
فقال: إشهد أن لا إله الا اللّه، وأني رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت.
فقال: يا محمد، تأخذ على هذا أجرأ؟
فقال: لا، إلا المودة في القربى.
قال: قرباي أو قرباك؟
فقال: بل قرباي.
قال: هلمّ يدك حتى أبايعك، لا خير فيمن يودّك ولا يودّ قرباك.

ويروى عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للحسن والحسين عليهما السلام: من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم وله عذاب مقيم.
ونحن في هذا اليوم الأخير من هذا الشهر الفضيل الذي انقضى عنا نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يتولا العترة الطاهرة ويحبها لنكون مصداق قول ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السلام وحب زيارته، ومن أراد الله به السوء قذف في قلبه بغض الحسين عليه السلام وبغض زيارته.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *