الليلة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وَلِلْجَبَابِرَةِ قَامِعٌ، فَلاَ اِلهَ غَيْرُهُ، وَلاَ شَيءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ.

الاعتراف بأن القرآن الكريم هو كتاب هداية البشرية، وقد اهتم ببيان وحدانية الله تعالى ووجوب عبادته وطاعته، ونبذ عبادة الأوثان والطواغيت التي كانت، ومازالت منتشرة في الأرض، إلا أنه اشتمل مع ذلك بنواحي الحياة الإنسانية الدينية والدنيوية، ففيه أحكام الحلال والحرام والسلم والحرب.
وفيه من قصص الأمم والأفراد ما يعد كنزاً تربوياً وأخلاقياً يعطي إنسانية للعبد، ومن خلاله يستخلص منه العبر والمواعظ لمعالجة أزمات كل زمان ومكان.


قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة القصص: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ *وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).


روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من الأنبياء، في مملكة جبّار من الجبابرة: أن أئتِ هذا الجبار فقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنّما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً.

كانت مواجهة الأنبياء عليهم السلام واحدة من أعظم أنواع جهادهم وتضحياتهم فسفكت دمائهم، وأبيحت أرزاقهم ولم يمنعهم ذلك من الاستمرار في قول الحق والدفاع عنه بكل الوسائل.
وهذا النهج استمر عليه أهل البيت عليهم السلام في الوقوف بوجه الظالمين والمستبدين، وقد لاقوا من القتل والظلم الكثير.


روي عن المنهال قال: دخلت علي علي بن الحسين عليهما السلام، فقلت: السلام عليكم، كيف أصبحتم رحمكم الله؟

قال: أنت تزعم أنك لنا شيعة! و أنت لا تعرف صباحنا و مساءنا، أصبحت في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون الأبناء و يستحيون النساء، و أصبح خير البرية بعد نبيها صلى الله عليه و آله يلعن على المنابر، و يعطي الفضل والأموال على شتمه، و أصبح من يحبنا منقوصا بحقه على حبه ايانا، و أصبحت قريش تفضل على جميع العرب بأن محمدا صلي الله عليه و آله منهم يطلبون بحقنا و لا يعرفون لنا حقا، ادخل فهذا صباحنا و مساؤنا.

من أجل ثتبيت دين الله أن لا إله غيره ولاشئ مثله وهو السميع البصير، تحملوا جميع المصائب التي جرت عليهم لأنهم هم عين الله الباصرة والوسيلة إليه، فيبين الإمام الباقر عليه السلام ما جرى عليهم صلوات الله وسلامه عليهم.

روي أن أبا جعفر محمد ابن علي الباقر عليهما السلام قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض و قد أخبر أنا أولى الناس بالناس فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا، تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤد حتى قتل.
فبويع الحسن ابنه وعوهد، ثم غدر به، وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته، وهم قليل حق قليل.
ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفا ثم غدروا به، وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم فقتلوه.
ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام، ونقصي ونمتهن، ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أولياءنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية، بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره.
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي.

روي عنه عليه السلام في دعائه: اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحج: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).

قال المعلم الأكبر الشيخ المفيد رحمه الله: أنّ وجوب اللّطف من باب الجود والكرم، و إنّ ما أوجبه أصحاب اللّطف من اللّطف، إنّما وجب من جهة الجود والكرم، لا من حيث ظنّوا أنّ العدل أوجبه، وأنّه لو لم يفعل لكان ظالماً.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيها الناس!
إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة، وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأن يعرفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي، والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلا بالترغيب، والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم، والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك…

لا شك في أن الله قادر على كل شئ وليس بعاجز عن فعل أي شئ إطلاقاً وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة على ذلك .
قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة لقمان: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ).

روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال:
العجب كل العجب للشاك في قدرة الله وهو يرى خلق الله.

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.

روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على فاطمة ( عليها السلام ) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد ، وأربعة منهم علي صلوات الله عليهم أجمعين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *