الليلة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة المؤبدة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

لَمْ تُخْرِجْنِي لِرَاْفَتِكَ بِي، وَلُطْفِكَ لِي، وَاِحْسَانِكَ اِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَيَّامِ الْكَفَرَةِ الَّذينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ، وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة آل عمران: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).

من الأسئلة التي يطرحها الإنسان لما فيه من فطرة حب الاطلاع والمعرفة، نجده يسأل عن سر خلقه؟ ولم وجد بهذا الزمان؟
وعند انقداح مثل هذه الأسئلة في ذهنه، يتوجه إلى التفكر ، ليخرج من حالة الغفلة التي يعيشها إلى حالة اليقظة والانتباه، لأن الله تعالى غني لا يحتاج إلى شيء فلا بد أن تكون تأملات العلة والحكمة راجعة إلى نفس الإنسان المخلوق.
فيتبين له سبب خلقه، وما له من كرامة، لأنه أكرم من وجد ، وأشرف المخلوقات التي أوجدها الله، وذلك قوله تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الإسراء:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )، وقوله تعالى في سورة المؤمنون: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
فتتجلى هنا الرأفة الإلهية بسر وجوده في أي زمان اختار له الوجود، لقوله تعالى:{ والله رؤوف بالعباد }.
ليكون في عبادة الله آمنا من جور أئمة الكفر، ويعلم أن الله أنعم عليه بالمعرفة التي تحدثنا بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
روي عن المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في الرد على الدهرية: تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الانسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره، به يفهم غيره ما في نفسه  ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء، ولا تفهم عن مخبر شيئا، وكذلك الكتابة التي بها تفيد اخبار الماضين للباقين، واخبار الباقين للآتين، وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الانسان ذكر ما يجرى بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاها لانقطع اخبار بعض الأزمنة عن بعض، واخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روى لهم مما لا يسعهم جهله، ولعلك تظن انها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليست مما اعطيه الانسان من خلقه وطباعه، وكذلك الكلام انما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجرى بينهم، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة ، وكذلك الكتابة ، ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الأمم انما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام، فيقال لمن ادعى ذلك ان الانسان وإن كان له في الامرين جميعا فعل أو حيلة فان الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل في خلقه، فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدى به للأمور لم يكن ليتكلم ابدا، ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب ابدا واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة فاصل ذلك فطرة الباري عز وجل وما تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب ومن كفر فان الله غنى عن العالمين.

مرت على البشرية في الأمم السابقة أئمة الكفر الكثيرة الذين نقضوا عهد الله بترك الإيمان والتوحيد، ومنهم من أدعى الألوهية وكذب رسل الله وقتلهم، فبرحمته لم يرنا أو أوجدنا بتلك الأزمنة و قد بين الله في كتابه العزيز بعض القصص عنهم، وما ورد من مدرسة أهل البيت عليهم السلام عنهم.

روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ممن جاء الى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال، فقال: يا أبا عبد الرحمان أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمان، ولا تدع نصرتي.
وبين الله في كتابه العزيز في سورة المائدة:{ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل و أرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا و فريقا يقتلون } .
عند علم هذا الانسان برأفة الله به و بعدم إيجاده في مثل هذه الأزمنة وامتحاناتها، وانما أوجده بزمان هو فيه، فذلك بإحسان الله وفضله ليتسنى للعبد عبادته، والالتزام بما أمره من الأعمال، و من أهمها أن ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هي شرط في قبول الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، كي لا يكون كغيره من اتباع أئمة الكفر.

ويروى عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: “ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.. أما لو أنّ الرجل قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان.


ومن نتيجة رأفة الله بالإنسان ليصل إلى ما هو عليه أن يتبع ما امره من ولاية الائمة عليهم السلام .
لأنّهم وحدهم المحيطون بالمعارف الإسلاميّة الأَصيلة ، وهم الذين يستطيعون أن يعرّفوا الناس بخالقهم الحقيقيّ ، ويهدونهم حتّى بلوغ أَسمى مراتب التوحيد على أَساس تعاليم الوحي والكمال في كلّ عصر، فدور الأَئمّة في هداية النَّاس هو أَكثر من إِراءة الطريق إِلى الكمال المطلق ، بل يضاف إليه الهداية العامّة، إنّ الإمام يرافقُ المستعدّين ويمدّهم في طي الطريق وبلوغ الهدف أَيضا ، فانّ نفوس أُولئك المستعدّين تتربّى بقبس الأَنوار الباطنيّة للإمام تكوينيّا ، وتسير صوب الكمال المطلق .

ونحن في هذه الأيام والليالي المباركة نرفع اكفنا بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان.
روي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) قال: في التاسع من ولدي سنة من يوسف ، وسنة من موسى بن عمران وهو قائمنا أهل البيت ، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *